الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " الحادي عشر : ما رواه الجمهور من وجوب [2] محبته وموالاته : روى أحمد بن حنبل في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * أخذ بيد حسن وحسين ، فقال من أحبني وأحب [3] هذين وأباهما وأمهما فهو معي [4] في درجتي يوم القيامة  [5] " .

                  [ ص: 398 ] وروى ابن خالويه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * [6] : من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده [7] ، ثم قال لها : كوني فكانت ، فليتول علي بن أبي طالب من بعدي . وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : حبك إيمان ، وبغضك نفاق ، وأول من يدخل الجنة محبك ، وأول من يدخل النار مبغضك  ، وقد جعلك الله أهلا لذلك ، فأنت مني ، وأنا منك ، ولا نبي بعدي . وعن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد علي ، وهو يقول : هذا وليي وأنا وليه ، عاديت من عادى ، وسالمت من سالم . وروى أخطب خوارزم عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاءني جبريل من [ ص: 399 ] عند الله [8] بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض : إني قد [9] افترضت محبة علي [10] على خلقي فبلغهم ذلك عني . والأحاديث [11] في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين ، وهي تدل على أفضليته [12] ، واستحقاقه للإمامة " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بتصحيح النقل ، وهيهات له بذلك [13] ، وأما قوله : " رواه أحمد " فيقال : أولا : أحمد له المسند المشهور ، وله كتاب مشهور في " فضائل الصحابة " روى فيه أحاديث لا يرويها في المسند لما فيها من الضعف ; لكونها لا تصلح أن تروى في المسند ; لكونها مراسيل أو ضعافا [14] ، بغير الإرسال ، ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات ، ثم إن القطيعي [15] - الذي رواه عن ابنه عبد الله - زاد عن شيوخه زيادات ، وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة .

                  وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهال ، فهم ينقلون من هذا المصنف فيظنون أن كل ما رواه القطيعي ، أو عبد الله قد رواه أحمد نفسه [16] ، ولا يميزون بين شيوخ أحمد ، وشيوخ القطيعي ، ثم يظنون أن أحمد [ ص: 400 ] إذا رواه فقد رواه في المسند فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلى مسند أحمد أحاديث ما سمعها أحمد [17] قط ، كما فعل ابن البطريق ، وصاحب " الطرائف " منهم ، وغيرهما بسبب هذا الجهل منهم ، وهذا غير ما يفترونه من الكذب ، فإن الكذب كثير منهم .

                  وبتقدير أن يكون أحمد روى الحديث فمجرد ( رواية ) [18] أحمد لا توجب أن يكون صحيحا يجب العمل به ، بل الإمام أحمد روى [19] أحاديث كثيرة ليعرف ويبين للناس ضعفها ، وهذا في كلامه وأجوبته أظهر وأكبر من أن يحتاج إلى بسط ، لا سيما في مثل هذا الأصل العظيم .

                  مع أن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي [20] " ، رواه عن نصر بن علي الجهضمي [21] ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر [22] ، والحديث الثاني ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " ، وبين أنه موضوع [23] ، وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على أن هذا الحديث صحيح [ ص: 401 ] باتفاق أهل العلم ، وكذلك رواية خطيب [24] خوارزم ، فإن في روايته من الأكاذيب المختلفة ما هو من أقبح الموضوعات باتفاق أهل العلم .

                  الوجه الثاني : أن هذه الأحاديث التي رواها ابن خالويه كذب موضوعة [25] عند أهل الحديث وأهل المعرفة ، يعلمون علما ضروريا يجزمون به أن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه ليست في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها علماء الحديث لا الصحاح ، ولا المساند [26] ، ولا السنن ، ولا المعجمات ، ولا نحو ذلك من الكتب .

                  الثالث : أن من تدبر ألفاظها تبين له أنها مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل قوله : من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ، ثم قال لها كوني فكانت . فهذه من خرافات الحديث ، وكأنهم لما سمعوا أن الله خلق آدم بيده من تراب ، ثم قال له : كن ، فكان [27] ، قاسوا هذه الياقوتة على خلق آدم ، وآدم خلق من تراب ، ثم قال له : كن فكان فصار حيا بنفخ الروح فيه فأما هذا القصب [28] فبنفس خلقه كمل ، ثم لم يكن له بعد هذا حال يقال له فيها : كن ، ولم يقل أحد من أهل العلم إن الله خلق بيده ياقوتة ، بل قد روي في عدة آثار : أن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء : آدم ، والقلم ، وجنة عدن ، [ ص: 402 ] ثم قال لسائر خلقه كن فكان فلم يذكر فيها هذه الياقوتة .

                  ثم أي عظيم في إمساك هذه الياقوتة حتى يجعل على هذا وعدا عظيما .

                  وكذلك قوله : أول من يدخل النار مبغضك ، فهل يقول مسلم : إن الخوارج يدخلون النار قبل أبي جهل بن هشام ، وفرعون ، وأبي لهب ، وأمثالهم من المشركين ؟ !

                  وكذلك قوله : أول من يدخل الجنة محبك ، فهل يقول عاقل : إن الأنبياء ، والمرسلين سبب دخولهم ( الجنة ) [29] أولا هو حب علي دون حب الله ورسوله ، وسائر الأنبياء ورسله ، وحب الله ورسله ليس هو السبب في ذلك ، وهل تعلق السعادة والشقاوة بمجرد حب علي دون حب الله ورسوله إلا كتعلقها بحب أبي بكر وعمر ، وعثمان ، ومعاوية رضي الله عنهم ؟ فلو قال قائل : من أحب عثمان ومعاوية دخل الجنة ، ومن أبغضهما دخل النار - كان هذا من جنس قول الشيعة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية