الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  واعلم أنه ثم أحاديث أخر لم يذكرها هذا الرافضي ، لو كانت صحيحة لدلت على مقصوده ، وفيها ما هو أدل من بعض ما ذكره لكنها كلها كذب ، والناس قد رووا أحاديث مكذوبة في فضل أبي بكر وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاوية رضي الله عنهم وغيرهم ، لكن المكذوب في فضل علي أكثر ; لأن الشيعة أجرأ على الكذب من النواصب .

                  قال أبو الفرج بن الجوزي [1] : " فضائل علي الصحيحة [2] كثيرة غير أن الرافضة لم تقنع فوضعت له ما يضع لا ما يرفع [3] ، وحوشيت [4] حاشيته [5] من الاحتياج [6] إلى الباطل " .

                  قال [7] : " فاعلم [8] أن الرافضة ثلاثة أصناف : صنف منهم [9] سمعوا [ ص: 443 ] أشياء [10] من الحديث فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا ، وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق ، ويقولون : قال جعفر ، وقال [11] فلان ، وصنف [12] ثالث عوام جهلة يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل ، ومما لا يسوغ " .

                  فمن أماثل الموضوعات ما رواه ابن الجوزي [13] من طريق النسائي في كتابه الذي وضعه [14] في خصائص علي من حديث عبيد الله بن موسى : حدثنا العلاء بن صالح ، عن المنهال بن عمرو [15] ، عن عباد [16] بن عبد الله الأسدي ، قال : قال علي رضي الله عنه : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله [17] ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي [18] إلا كاذب ، صليت قبل الناس سبع سنين " ، ورواه أحمد في " الفضائل " [19] ، وفي رواية له [20] : " ولقد أسلمت قبل الناس بسبع سنين " .

                  ورواه من حديث العلاء بن صالح أيضا عن المنهال بن عباد .

                  [ ص: 444 ] قال أبو الفرج [21] : " هذا حديث موضوع [22] ، والمتهم به عباد بن عبد الله . قال علي بن المديني : كان ضعيف الحديث ، وقال أبو الفرج : [23] " ( حماد ) [24] الأزدي : روى [25] أحاديث لا يتابع عليها ، وأما المنهال فتركه شعبة ، قال [26] أبو بكر الأثرم : سألت أبا عبد الله عن حديث علي : " أنا عبد الله وأخو رسول الله [27] " فقال : اضرب عليه ؛ فإنه حديث منكر [28] " .

                  قلت : وعباد يروى من طريقه عن علي ما يعلم أنه كذب عليه قطعا ، مثل هذا الحديث ، فإنا نعلم أن عليا [29] كان أبر ، وأصدق ، وأتقى لله من أن يكذب ، ويقول مثل هذا الكلام الذي هو كذب ظاهر معلوم بالضرورة أنه كذب ، وما علمنا أنه كذب ظاهر لا يشتبه ، فقد علمنا أن عليا لم يقله لعلمنا بأنه أتقى لله من أن يتعمد هذا الكذب القبيح ، وأنه ليس مما [30] [ ص: 445 ] يشتبه حتى يخطئ فيه ، فالناقل عنه إما متعمد الكذب ، وإما مخطئ غالط ، وليس قدح المبغض لعلي من الخوارج والمتعصبين لبني مروان وغيرهم مما يشككنا في صدقه وبره وتقواه ، كما أنه ليس قدح الرافضة في أبي بكر وعمر ، بل وقدح الشيعة في عثمان لا يشككنا في العلم بصدقهم وبرهم وتقواهم ، بل نحن نجزم بأن واحدا منهم لم يكن ممن يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا هو فيما دون ذلك .

                  ، فإذا كان المنقول عنه مما لا يغلط [31] في مثله ، وقد علمنا أنه كذب ، جزمنا بكذب الناقل متعمدا أو مخطئا .

                  مثل ما رواه عبد الله في " المناقب " [32] : حدثنا يحيى بن عبد الحميد [33] ، حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو [34] ، عن عباد بن عبد الله ، عن علي . وحدثنا أبو خيثمة ، حدثنا الأسود [35] بن عامر ، حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو [36] ، عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن علي ، قال : لما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ( سورة الشعراء : 214 ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من أهل بيته : إن كان الرجل منهم لآكلا جذعة ، وإن كان شاربا فرقا . . إلى آخر الحديث .

                  [ ص: 446 ] وهذا كذب على علي رضي الله عنه لم يروه قط ، وكذبه ظاهر من وجوه [37] .

                  وهذا الحديث رواه أحمد في " الفضائل [38] " : حدثنا عثمان [39] ، حدثنا أبو عوانة ، عن عثمان بن المغيرة ، عن أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجز ، عن علي ، وهؤلاء يعلم [40] أنهم يروون الباطل .

                  وروى أبو الفرج [41] من طريق أجلح ، عن سلمة [42] بن كهيل ، عن حبة بن جوين [43] ، قال : سمعت عليا يقول : أنا [44] عبدت الله عز وجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يعبده رجل من هذه الأمة خمس سنين أو سبع سنين " قال أبو الفرج : حبة لا يساوي حبة [45] فإنه كذاب ، قال يحيى : ليس بشيء [46] ، وقال السعدي : غير ثقة ، وقال ابن حبان : كان غاليا في التشيع واهيا [47] في الحديث ، وأما الأجلح فقال أحمد : قد روى غير حديث منكر . قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به [48] ، وقال ابن حبان : كان لا يدري ما يقول " .

                  [ ص: 447 ] قال أبو الفرج [49] : ومما يبطل هذه الأحاديث أنه لا خلاف في تقدم إسلام خديجة ، وأبي بكر ، وزيد [50] ، وأن عمر أسلم في سنة ست من النبوة بعد أربعين رجلا [51] ، فكيف يصح هذا .

                  وذكر حديثا [52] عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ( أنا ) [53] الصديق الأكبر [54] " ، " وهو مما عملته يد أحمد بن نصر الذراع [55] ، فإنه كان كذابا يضع الحديث " .

                  وحديثا فيه [56] " أنا أولهم إيمانا ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسوية [57] ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية [58] " قال : " وهو موضوع [59] ، والمتهم به بشر بن إبراهيم ، قال ابن عدي ، وابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات " ، ورواه الأبزاري الحسين بن عبيد الله ، عن إبراهيم بن سعيد [60] الجوهري ، عن مأمون ، عن الرشيد ، قال : وهذا الأبرازي كان كذابا [61] .

                  [ ص: 448 ] وذكر حديثا [62] : " أنت أول من آمن بي ، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين ، أو يعسوب [63] الظلمة [64] " .

                  قال : " وهذا حديث موضوع ، وفي طريقه الأول [65] ، عباد بن يعقوب .

                  قال ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك ، وفيه علي بن هاشم ، قال ابن حبان : كان يروي المناكير عن المشاهير ، وكان غاليا في التشيع ، وفيه محمد بن عبد الله ، قال يحيى : ليس بشيء [66] ، وأما الطريق الثاني ففيه أبو الصلت الهروي ، كان كذابا رافضيا [67] خبيثا ، فقد اجتمع عباد وأبو الصلت في روايته [68] ، والله أعلم بهما أيهما سرقه من صاحبه " .

                  قلت : لعل الآفة فيه من محمد بن عبد الله .

                  وروي عن طريق ابن عباس ، وفيه عبد الله بن زاهر [69] ، قال ابن معين : ليس بشيء ، لا يكتب عنه إنسان في خير ، قال أبو الفرج بن الجوزي : " كان غاليا في الرفض " .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية