وقوله : " أنا أعلم بطرق السماء من طرق الأرض " .
كلام باطل لا يقوله عاقل ، ولم يصعد أحد ببدنه إلى السماء من الصحابة والتابعين ، وقد تكلم الناس في معراج النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هو ببدنه أو بروحه ؟ وإن كان الأكثرون على أنه ببدنه ، فلم ينازع السلف في غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يعرج ببدنه .
ومن اعتقد هذا من الغلاة في أحد من المشايخ وأهل البيت فهو من الضلال ، من جنس من اعتقد من الغلاة في أحد من هؤلاء النبوة ، أو ما هو أفضل من النبوة ، أو الإلهية .
[ ص: 59 ] وهذه المقالات كلها كفر بين ، لا يستريب في ذلك أحد من علماء الإسلام . وهذا كاعتقاد الإسماعيلية ، أولاد ميمون القداح ، الذين كان جدهم يهوديا ربيبا لمجوسي ، وزعموا أنهم أولاد محمد بن إسماعيل بن جعفر ، واعتقد كثير من أتباعهم فيهم الإلهية أو النبوة ، وأن محمد بن إسماعيل بن جعفر نسخ شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وكذلك طائفة من الغلاة يعتقدون الإلهية أو النبوة في علي ، وفي بعض أهل بيته : إما الاثنا عشر ، وإما غيرهم .
وكذلك طائفة من العامة والنساك يعتقدون في بعض الشيوخ نوعا من الإلهية أو النبوة ، أو أنهم أفضل من الأنبياء ، [ ويجعلون خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء ] [1] ، وكذلك طائفة من هؤلاء يجعلون الأولياء أفضل من الأنبياء .
ويعتقد ابن عربي ونحوه أن خاتم الأنبياء يستفيد من خاتم الأولياء ، وأنه هو خاتم الأولياء .
ويعتقد طائفة أخرى أن الفيلسوف الكامل أعلم من النبي بالحقائق العلمية والمعارف الإلهية .
فهذه الأقوال ونحوها هي من الكفر المخالف لدين الإسلام باتفاق أهل الإسلام ، ومن قال منها شيئا فإنه يستتاب منه ، كما يستتاب نظراؤه [ ص: 60 ] ممن يتكلم بالكفر ، كاستتابة المرتد إن كان مظهرا لذلك ، وإلا كان داخلا في مقالات أهل الزندقة والنفاق .
وإن قدر أن بعض الناس خفي عليه مخالفة ذلك لدين الإسلام : إما لكونه حديث عهد بالإسلام ، أو لنشأته بين قوم جهال يعتقدون مثل ذلك - فهذا بمنزلة من يجهل وجوب الصلاة أو بعضها ، أو يرى الواجبات تجب على العامة دون الخاصة ، وأن المحرمات - كالزنا والخمر - مباح للخاصة دون العامة .
وهذه الأقوال قد وقع في كثير منها كثير من المنتسبين إلى التشيع ، والمنتسبين إلى كلام أو تصوف أو تفلسف ، وهي مقالات باطلة معلومة البطلان عند أهل العلم والإيمان ، لا يخفى بطلانها على من هو من أهل الإسلام والعلم .


