( فصل )
قال الرافضي [1] : " وقال [2] : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماء ; فإني أعلم بها من طرق الأرض " .
[ ص: 57 ] والجواب أن يقال : لا ريب أن عليا لم يكن يقول هذا بالمدينة ، بين المهاجرين والأنصار ، الذين تعلموا كما تعلم ، وعرفوا كما عرف . وإنما قال هذا لما صار إلى العراق ، وقد دخل في دين الإسلام خلق كثير ، لا يعرفون كثيرا من الدين ، وهو الإمام الذي يجب عليه أن يفتيهم ويعلمهم ، فكان يقول لهم ذلك ليعلمهم ويفتيهم ، كما أن الذين تأخرت حياتهم من الصحابة ، واحتاج الناس إلى علمهم ، نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة لم ينقلها الخلفاء الأربعة ، ولا أكابر الصحابة ; لأن أولئك كانوا مستغنين عن نقلها ; لأن الذين عندهم قد علموها كما علموها .
ولهذا يروى لابن عمر وابن عباس ، وعائشة ، وأنس وجابر ، ونحوهم من الصحابة ، من الحديث مالا يروى وأبي سعيد ولا لعلي ، لعمر وعمر أعلم من هؤلاء كلهم ، لكن هؤلاء احتاج الناس إليهم ; لكونهم تأخرت وفاتهم ، وأدركهم من لم يدرك أولئك السابقين ; فاحتاجوا أن يسألوهم ، واحتاج أولئك أن يعلموهم ويحدثوهم . وعلي
فقول لمن عنده علي بالكوفة : " سلوني " هو من هذا الباب ، لم يقل هذا لابن مسعود ، ومعاذ وأبي بن كعب ، وأبي الدرداء وأمثالهم ، فضلا عن أن يقول ذلك وسلمان لعمر . وعثمان
ولهذا لم يكن هؤلاء ممن يسأله ، فلم يسأله قط لا ولا معاذ ولا أبي ، ولا من هو دونهم من الصحابة ، وإنما كان يستفتيه المستفتي ، كما يستفتي أمثاله من الصحابة ، وكان ابن مسعود عمر [ ص: 58 ] يشاورانه كما يشاوران أمثاله ، فكان وعثمان يشاور في الأمور عمر لعثمان ، وعلي وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود ، وزيد بن ثابت وأبي موسى ولغيرهم ، حتى كان يدخل معهم ، مع صغر سنه . ابن عباس
وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله : ( وأمرهم شورى بينهم ) [ سورة الشورى : 38 ] .
ولهذا كان رأي وحكمه وسياسته من أسد الأمور ، فما رئي بعده مثله [ قط ] عمر [3] ، ولا ظهر الإسلام وانتشر وعز كظهوره وانتشاره وعزه في زمنه . وهو الذي كسر ، وقصر كسرى قيصر والروم والفرس ، وكان أميره الكبير على الجيش الشامي أبا عبيدة ، وعلى الجيش العراقي ، ولم يكن لأحد - بعد سعد بن أبي وقاص - مثل خلفائه ونوابه ، وعماله وجنده ، وأهل شوراه . أبي بكر