الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل )

                  قال الرافضي [1] : " وقال [2] : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماء ; فإني أعلم بها من طرق الأرض " .

                  [ ص: 57 ] والجواب أن يقال : لا ريب أن عليا لم يكن يقول هذا بالمدينة ، بين المهاجرين والأنصار ، الذين تعلموا كما تعلم ، وعرفوا كما عرف . وإنما قال هذا لما صار إلى العراق ، وقد دخل في دين الإسلام خلق كثير ، لا يعرفون كثيرا من الدين ، وهو الإمام الذي يجب عليه أن يفتيهم ويعلمهم ، فكان يقول لهم ذلك ليعلمهم ويفتيهم ، كما أن الذين تأخرت حياتهم من الصحابة ، واحتاج الناس إلى علمهم ، نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة لم ينقلها الخلفاء الأربعة ، ولا أكابر الصحابة ; لأن أولئك كانوا مستغنين عن نقلها ; لأن الذين عندهم قد علموها كما علموها .

                  ولهذا يروى لابن عمر وابن عباس ، وعائشة وأنس ، وجابر وأبي سعيد ، ونحوهم من الصحابة ، من الحديث مالا يروى لعلي ولا لعمر ، وعمر وعلي أعلم من هؤلاء كلهم ، لكن هؤلاء احتاج الناس إليهم ; لكونهم تأخرت وفاتهم ، وأدركهم من لم يدرك أولئك السابقين ; فاحتاجوا أن يسألوهم ، واحتاج أولئك أن يعلموهم ويحدثوهم .

                  فقول علي لمن عنده بالكوفة : " سلوني " هو من هذا الباب ، لم يقل هذا لابن مسعود ومعاذ ، وأبي بن كعب وأبي الدرداء ، وسلمان وأمثالهم ، فضلا عن أن يقول ذلك لعمر وعثمان .

                  ولهذا لم يكن هؤلاء ممن يسأله ، فلم يسأله قط لا معاذ ولا أبي ولا ابن مسعود ، ولا من هو دونهم من الصحابة ، وإنما كان يستفتيه المستفتي ، كما يستفتي أمثاله من الصحابة ، وكان عمر وعثمان [ ص: 58 ] يشاورانه كما يشاوران أمثاله ، فكان عمر يشاور في الأمور لعثمان وعلي ، وطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود وزيد بن ثابت ، وأبي موسى ولغيرهم ، حتى كان يدخل ابن عباس معهم ، مع صغر سنه .

                  وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله : ( وأمرهم شورى بينهم ) [ سورة الشورى : 38 ] .

                  ولهذا كان رأي عمر وحكمه وسياسته من أسد الأمور ، فما رئي بعده مثله [ قط ] [3] ، ولا ظهر الإسلام وانتشر وعز كظهوره وانتشاره وعزه في زمنه . وهو الذي كسر كسرى ، وقصر قيصر والروم والفرس ، وكان أميره الكبير على الجيش الشامي أبا عبيدة ، وعلى الجيش العراقي سعد بن أبي وقاص ، ولم يكن لأحد - بعد أبي بكر - مثل خلفائه ونوابه ، وعماله وجنده ، وأهل شوراه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية