وأما مسألة القرعة [1] فقد رواها أحمد عن وأبو داود زيد بن أرقم [2] ، [ ص: 67 ] [ ص: 68 ] لكن جمهور الفقهاء لا يقولون بهذه ، وأما فنقل عنه تضعيف أحمد [3] الخبر ; فلم يأخذ به ، وقيل أخذ به . أوسع الأئمة أخذا بالقرعة ، وقد أخذ بقضاء وأحمد في الزبية علي [4] ، وحديثها أثبت من هذا ، رواه ، وأخذ به سماك بن حرب أحمد [5] . وأما الثلاثة فما بلغهم لا هذا ولا هذا ، أو بلغهم ولم يثبت عندهم ، وكان عند من العلم بالآثار ، ومعرفة صحتها من سقمها ، ما ليس لغيره . أحمد
[ ص: 69 ] وهذا يدل على علي ، ولا نزاع في هذا ، لكن لا يدل على أنه أقضى الصحابة . فضل
وأما قوله : " معرفة القضايا بالإلهام " [6] فهذا خطأ ; لأن بمعنى أنه من ألهم أنه صادق حكم بذلك بمجرد الإلهام ، فهذا الحكم بالإلهام [7] لا يجوز في دين المسلمين .
وفي الصحيح عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أم سلمة " إنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بنحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار [8] . فأخبر أنه يقضي بالسمع لا بالإلهام ، فلو كان الإلهام طريقا لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق بذلك ، وكان الله يوحي إليه معرفة صاحب الحق ; فلا يحتاج إلى بينة ولا إقرار ، ولم يكن ينهى أحدا أن يأخذ مما يقضى له ، ولما حكم في اللعان بالفرقة قال : " إن جاءت به كذا فهو للزوج ، وإن جاءت به كذا فهو للذي رميت به " فجاءت به على النعت المكروه ، فقال : " " لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن [9] [ ص: 70 ] فأنفذ الحكم باليمين ، ولم يحكم بالبينة [10] .
وأما إن قيل : إنه يلهم الحكم الشرعي ; فهذا لا بد فيه من دليل شرعي ، لا يجوز الحكم بمجرد الإلهام ; فإن الذي ثبت بالنص أنه كان ملهما هو ، كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : عمر بن الخطاب " فعمر . ومع هذا فلم يكن يجوز " قد كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي أن يفتي ولا يقضي ولا يعمل بمجرد ما يلقى في قلبه ، حتى يعرض ذلك على الكتاب والسنة ، فإن وافقه قبله ، وإن خالفه رده لعمر [11] .
وأما ما ذكره من الحكومة في البقرة التي قتلت حمارا [12] ، فهذا [ ص: 71 ] الحديث لا يعرف ، وليس هو في شيء من كتب الحديث والفقه ، مع احتياج الفقهاء في هذه المسألة إلى نص ، ولم يذكر له إسنادا ، فكيف يصدق بشيء لا دليل على صحته ؟ بل الأدلة المعلومة تدل على انتفائه .
ومع هذا فهذا الحكم الذي نقله عن ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقره ، إذا حمل على ظاهره كان مخالفا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع المسلمين ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه قال : علي " وهذا في الصحيحين وغيرهما ، واتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول " العجماء جبار [13] ، والتصديق والعمل به .
والعجماء تأنيث أعجم ، وكل بهيمة فهي عجماء ، كالبقرة والشاة وغيرهما . وهذه إذا كانت ترعى في المراعي المعتادة ، فأفلتت نهارا من غير تفريط من صاحبها ، حتى دخلت على حمار فأفسدته ، أو [ ص: 72 ] أفسدت زرعا ، لم يكن على صاحبها ضمان باتفاق المسلمين ; فإنها عجماء لم يفرط صاحبها .
وأما إن كانت خرجت بالليل ، فعلى صاحبها الضمان عند أكثر العلماء ، كمالك والشافعي ; لقصة وأحمد سليمان بن داود في النفش [14] ; ولحديث ناقة ، فإنها دخلت حائطا فأفسدته ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن على أهل المواشي ما أفسدت مواشيهم بالليل ، وقضى على أهل الحوائط البراء بن عازب [15] بحفظ حوائطهم [16] .
[ ص: 73 ] وذهب أبو حنيفة وغيرهما إلى أنه لا ضمان في ذلك ، وجعلوها داخلة في العجماء . وضعف بعضهم حديث ناقة وابن حزم البراء [17] .
وأما إن كان صاحبها اعتدى ، وأرسلها في زرع قوم ، أو بقرب زرعهم [18] ، أو أدخلها إلى إصطبل الحمار بغير إذن صاحبها فأتلفته ، فهنا يضمن لعدوانه [19] .
فهذه قضية البقرة والحمار ، إن كان صاحب البقرة لم يفرط ، فالتفريط [ ص: 74 ] من صاحب الحمار ، كما لو دخلت الماشية نهارا فأفسدت الزرع ; فإن صاحب الحمار لم يغلق عليه الباب [20] ، كما لو دخلت البقرة على الحمار [21] ( * إن كان الحمار نائما ، وإن كان هو المفرط بإدخالها إلى الحمار كان ضامنا . وأما أن يجعل مجرد اعتداء الحمار على البقرة أو البقرة على الحمار * ) [22] بدون تفريط [23] صاحبها كاعتداء صاحبها [24] ، فهذا يوجب كون البهيمة كالعبد ، ما أتلفه يكون في رقبتها ، ولا يكون جبارا ، وهذا ليس من حكم المسلمين ، ومن نقل هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كذب عليه .
وقد قلنا غير مرة : إن هؤلاء الجهال يكذبون ما يظنونه مدحا ويمدحون به ; فيجمعون بين الكذب وبين المدح ، فلا صدق ولا علم ولا عدل ، فيضلون [25] في الخير والعدل . وقد تقدم الكلام على قوله : ( يهدي إلى الحق ) [ سورة يونس : 35 ] .