( فصل ) 
قال الرافضي [1]  : " الخامس : إخباره بالغائب والكائن قبل كونه  ، فأخبر أن  طلحة   والزبير  لما استأذناه في الخروج إلى العمرة قال [2]  : لا والله ما تريدان [3]  . العمرة ، وإنما تريدان [4]  . البصرة في [5]  . . وكان كما قال [6]  . وأخبر وهو بذي قار جالس لأخذ البيعة : يأتيكم من قبل [7]  . الكوفة  ألف رجل ، لا يزيدون ولا ينقصون ، يبايعونني [8]  . على الموت ، وكان كذلك ، وكان آخرهم أويس القرني . 
وأخبر بقتل ذي الثدية ، وكان كذلك . 
وأخبره شخص بعبور القوم في قصة [9]  . النهروان ، فقال : لن  [ ص: 132 ] يعبروا ، ثم أخبره آخر بذلك ، فقال : لم [10]  . يعبروا ، وإنه - والله - لمصرعهم ، فكان كذلك . 
وأخبر بقتل نفسه الشريفة . 
وأخبر شهربان بأن اللعين يقطع يديه ورجليه ويصلبه [11] ، ففعل به  معاوية  ذلك . 
وأخبر ميثم التمار  [12]  . بأنه يصلب على باب دار عمرو بن  [ ص: 133 ] حريث  [13] عاشر عاشرة ، وهو [14] أقصرهم خشبة ، وأراه النخلة التي يصلب [15]  . عليها ، فوقع كذلك . 
وأخبر رشيدا الهجري  [16] بقطع يديه ورجليه ، وصلبه ، وقطع لسانه ، فوقع [17]  . 
وأخبر كميل بن زياد  [18]  - . أن  الحجاج  يقتله [19]  . ، وأن قنبرا يذبحه  الحجاج  فوقع . 
 [ ص: 134 ] وقال للبراء بن عازب   : إن ابني  الحسين  يقتل ولا تنصره ، فكان كما قال ، وأخبره [20] بموضع قتله . 
وأخبر بملك بني العباس  ، وأخذ الترك  الملك منهم ، فقال : ملك بني العباس  يسير [21] لا عسر فيه ، لو اجتمع عليهم الترك  والديلم  والهند  [22] والبربر  والطيلسان  على أن يزيلوا ملكهم ما قدروا أن يزيلوه ، حتى يشذ عنهم [23] مواليهم وأرباب دولتهم ، ويسلط [24]  . عليهم ملك من الترك  يأتي عليهم من حيث بدأ [25]  . ملكهم ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ، ولا يرفع له راية إلا نكسها ، الويل ثم [26] الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر بهم [27] ، ثم يدفع ظفره إلى رجل من عترتي ، يقول بالحق ويعمل به [28]  . ، ألا وإن الأمر [29] كذلك ; حيث ظهر هولاكو  من ناحية [30]  . خراسان   .  [ ص: 135 ] ومنه ابتدأ [31] ملك بني العباس  حتى بايع لهم [32]  .  أبو مسلم الخراساني   " . [33]  . 
والجواب أن يقال : أما الإخبار ببعض الأمور الغائبة ، فمن هو دون  علي  يخبر بمثل ذلك ،  فعلي  أجل قدرا من ذلك ، وفي أتباع  أبي بكر   وعمر   وعثمان  من يخبر بأضعاف ذلك ، وليسوا ممن يصلح للإمامة ، ولا هم أفضل أهل زمانهم ، ومثل هذا موجود في زماننا وغير زماننا . 
 وحذيفة بن اليمان  ،  وأبو هريرة  ، وغيرهما من الصحابة كانوا يحدثون الناس بأضعاف ذلك .  وأبو هريرة  يسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -  وحذيفة  تارة يسنده وتارة لا يسنده . وإن كان في حكم المسند . 
وما أخبر به هو وغيره قد يكون مما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد يكون مما كوشف هو به .  وعمر   - رضي الله عنه - قد أخبر بأنواع من ذلك . 
والكتب المصنفة في كرامات الأولياء وأخبارهم ، مثل ما في كتاب " الزهد "  للإمام أحمد  ، و " حلية الأولياء " و " صفوة الصفوة " و " كرامات الأولياء " لأبي محمد الخلال   وابن أبي الدنيا   واللالكائي   - فيها من الكرامات عن بعض أتباع  أبي بكر   وعمر ،  كالعلاء بن الحضرمي  نائب  أبي بكر  ،  وأبي مسلم الخولاني  بعض أتباعهما ، وأبي الصهباء ،  وعامر بن عبد قيس  ، وغير هؤلاء ممن  علي  أعظم منه ، وليس في ذلك ما يدل  [ ص: 136 ] على أنه يكون هو الأفضل من أحد من الصحابة ، فضلا عن الخلفاء . 
وهذه الحكايات التي ذكرها عن  علي  لم يذكر لشيء منها إسنادا ، ( 1 وفيها ما يعرف صحته 1 ) [34]  . ، وفيها ما يعرف كذبه ، وفيها ما لا يعرف : هل هو صدق أم كذب ؟ 
فالخبر الذي ذكره عن ملك الترك كذب على علي ; فإنه لم يدفع ظفره إلى رجل من العترة ، وهذا مما وضعه متأخروهم [35]  . . 
والكتب المنسوبة إلى  علي  ، أو غيره من أهل البيت ، في الإخبار بالمستقبلات كلها كذب ، مثل كتاب " الجفر " و " البطاقة " وغير ذلك . [36]  . 
وكذلك ما يضاف إليه من أنه كان [ عنده ] [37]  . علم من النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه به دون غيره من الصحابة . 
وفي صحيح  البخاري  عن أبي حذيفة  قال : قلت  لعلي   : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟ فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر [38]  . . 
وكذلك ما ينقل عن غير  علي  من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه بشيء من علم الدين الباطن ، كل ذلك باطل . 
 [ ص: 137 ] ولا ينافي ذلك ما في الصحيحين عن  أبي هريرة  قال : " حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرابين : أما أحدهما فبثثته فيكم ، وأما الآخر فلو أبثه لقطعتم هذا البلعوم  " فإن هذا حديث صحيح [39]  . ، ليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خص  أبا هريرة  بما في ذلك الجراب ، بل كان  أبو هريرة  أحفظ من غيره ; فحفظ ما لم يحفظه غيره . 
وكذلك قال  حذيفة   : " والله إني لأعلم الناس بكل فتنة س ، ب : . . الناس من فتنة . . هي كائنة بيني وبين الناس ، وما بي أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسر إلي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه . . . الحديث . وقال : إنه لم يبق من الرهط غيره [40]  . 
وفي الصحيحين عن  حذيفة   - رضي الله عنه - قال : " قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه  " [41]  . 
وحديث  أبي زيد عمرو بن أخطب  [42]  . في صحيح  مسلم   : قال : " صلى  [ ص: 138 ] بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر ، وصعد المنبر ، ثم خطبنا حتى حضرت الظهر ، فنزل فصلى بنا ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ، فنزل فصلى بنا ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس ، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا  " [43]  . 
 وأبو هريرة  أسلم عام خيبر  ، فلم يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أقل من أربع سنين ، وذلك الجراب لم يكن فيه شيء من علم الدين : علم الإيمان والأمر والنهي ، وإنما كان فيه الإخبار عن الأمور المستقبلة ، مثل الفتن التي جرت بين المسلمين : فتنة الجمل ، وصفين ، وفتنة  ابن الزبير  ، ومقتل  الحسين  ، ونحو ذلك ; ولهذا لم يكن  أبو هريرة  ممن دخل في الفتن . 
ولهذا قال  ابن عمر   : لو حدثكم  أبو هريرة  أنكم تقتلون خليفتكم ، وتفعلون كذا وكذا ، لقلتم : كذب  أبو هريرة   . 
وأما الحديث الذي يروى عن  حذيفة  أنه صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ، فرواه  البخاري  عن  إبراهيم النخعي  ، قال : ذهب علقمة  إلى الشام  ، فلما دخل المسجد قال : " اللهم يسر لي جليسا صالحا ، فجلس إلى  أبي الدرداء  ، فقال  أبو الدرداء   : ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة   . قال : أليس منكم - أو فيكم - الذي أجاره الله على لسان نبيه - يعني من  [ ص: 139 ] الشيطان : يعني عمارا - ؟ قال : قلت : بلى . قال : أليس منكم - أو فيكم - صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ؟ قال : قلت : بلى . . الحديث [44]  . . 
وذلك السر [45] كان معرفته بأعيان ناس من المنافقين كانوا في غزوة تبوك  ، هموا بأن يحلوا حزام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل ليسقط ، فأعلمه الله بهم ، وكان حذيفة قريبا ، فعرفه بهم ، وكان إذا مات الميت المجهول حاله لا يصلي عليه عمر حتى يصلي عليه حذيفة ; خشية أن يكون من المنافقين . 
ومعرفة بعض الصحابة والصالحين ببعض المستقبلات لا توجب أن يكون عالما بها كلها . 
والغلاة الذين [ كانوا ] [46]  . يدعون علم علي بالمستقبلات مطلقا كذب ظاهر ; فالعلم ببعضها ليس من خصائصه ، والعلم بها كلها لم يحصل له ولا لغيره . 
ومما يبين لك [47]  . أن  عليا  لم يكن يعرف المستقبلات أنه في ولايته وحروبه في زمن خلافته كان يظن أشياء كثيرة ، فيتبين له الأمر بخلاف ما  [ ص: 140 ] ظن ، ولو ظن أنه إذا قاتل معاوية وأصحابه يجري ما جرى لم يقاتلهم ; فإنه كان لو لم يقاتل أعز وانتصر [48]  . ، وكان أكثر الناس معه ، وأكثر البلاد تحت ولايته ، فلما قاتلهم ضعف أمره ، حتى صار معهم كثير من البلاد التي كانت في [49]  . طاعته ، مثل مصر  واليمن  ، وكان الحجاز  دولا . 
ولو علم أنه إذا حكم الحكمين يحكمان بما حكما لم يحكمهما . ولو علم أن أحدهما يفعل بالآخر ما فعل حتى يعزلاه ، لم يول من يوافق على عزل ، ولا من خذله الحكم الآخر [50]  . ، بل قد أشار عليه من أشار أن يقر  معاوية  على إمارته في ابتداء الأمر ، حتى يستقيم له الأمر ، وكان هذا الرأي أحزم عند الذين ينصحونه ويحبونه . 
ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولى  أبا سفيان   - أبا معاوية   - نجران  [51]  . ، وكان واليا عليها حتى مات النبي - صلى الله عليه وسلم . 
وقد اتفق الناس على أن  معاوية  كان أحسن إسلاما من أبيه ، ولم يتهم أحد من الصحابة والتابعين معاوية بنفاق ، واختلفوا في أبيه . 
 والصديق  كان قد ولى أخاه -  يزيد بن أبي سفيان   - أحد الأمراء في فتح الشام  ، لما ولى  خالدا   وأبا عبيدة   ويزيد بن أبي سفيان  لما فتحوا الشام  ، بقي أميرا إلى أن مات بالشام  ، وكان من خيار الصحابة ، رجلا صالحا  [ ص: 141 ] أفضل من أخيه وأبيه ، ليس هذا هو  يزيد بن معاوية  الذي تولى بعد  معاوية  الخلافة ; فإن ذاك ولد في خلافة  عثمان  ، لم يكن من الصحابة ، ولكن سمي [52]  . باسم عمه ، ( * فطائفة من الجهال يظنون يزيد هذا من الصحابة * ) [53]  . وبعض غلاتهم [54] يجعله من الأنبياء ، كما أن آخرين يجعلونه كافرا أو مرتدا ، وكل ذلك باطل ، بل هو خليفة من بني أمية  [55]  . 
 والحسين   - رضي الله عنه - ولعن قاتله - قتل مظلوما شهيدا في خلافته بسبب خلافه [56] ، لكنه هو لم يأمر بقتله ، ولم يظهر الرضا به ، ولا انتصر ممن قتله . 
ورأس  الحسين  حمل إلى قدام عبيد الله بن زياد  ، وهو الذي ضربه بالقضيب على ثناياه ، وهو الذي ثبت في الصحيح [57]  . . 
 [ ص: 142 ] وأما حمله إلى عند يزيد  [58]  . فباطل . وإسناده منقطع [59]  . . 
وعمه يزيد  الرجل الصالح هو من الصحابة ، توفي في خلافة  عمر  ، فلما مات ولى  معاوية  مكان أخيه .  وعمر  من أعلم الناس بأحوال الرجال ، وأحذقهم في السياسة ، وأبعد الناس عن الهوى ، لم يول في خلافته أحدا من أقاربه ، وإنما كان يختار للولاية من يراه أصلح لها ; فلم يول  معاوية  إلا وهو عنده ممن يصلح للإمارة . 
ثم لما توفي [60] زاد  عثمان  في ولاية  معاوية  ، حتى جمع له الشام   . وكانت الشام  في خلافة  عمر  أربعة أرباع : فلسطين  ، ودمشق  ، وحمص  ، والأردن   . ثم بعد ذلك فصلت قنسرين  والعواصم من ربع حمص  ، ثم بعد هذا عمرت حلب  وخربت قنسرين  ، وصارت العواصم دولا بين المسلمين وأهل الكتاب . 
وأقام  معاوية  نائبا عن  عمر   وعثمان  عشرين سنة ، ثم تولى عشرين سنة ، ورعيته شاكرون لسيرته وإحسانه ، راضون به ، حتى أطاعوه في مثل قتال  علي   . 
ومعلوم أنه خير من أبيه  أبي سفيان  ، وكانت ولايته أحق بالجواز من ولاية أبيه ، فلا يقال : إنه لم تكن تحل ولايته . ولو قدر أن غيره كان  [ ص: 143 ] أحق بالولاية منه ، أو أنه ممن [61] يحصل به معونة لغيره ممن فيه ظلم ، لكان الشر المدفوع بولايته أعظم من الشر الحاصل بولايته . 
وأين أخذ المال ، وارتفاع بعض الرجال ، من قتل الرجال الذين قتلوا بصفين ، ولم يكن في ذلك عز ولا ظفر ؟ ! 
فدل هذا وغيره على أن الذين أشاروا على أمير المؤمنين كانوا حازمين . وعلي إمام مجتهد ، لم يفعل إلا ما رآه مصلحة . 
لكن المقصود أنه لو كان يعلم الكوائن كان قد علم أن إقراره على الولاية أصلح له من حرب صفين ، التي لم يحصل بها إلا زيادة الشر وتضاعفه ، لم يحصل بها من المصلحة شيء ، وكانت ولايته أكثر خيرا وأقل شرا من محاربته ، وكل ما يظن في ولايته من الشر ، فقد كان في محاربته أعظم منه . 
وهذا وأمثاله كثير مما يبين جهل من يقول : إنه كان يعلم الأمور المستقبلة ، بل الرافضة  تدعي الأمور المتناقضة : يدعون عليه علم الغيب ، مع هذه الأمور المنافية لذلك ، ويدعون له من الشجاعة ما يزعمون معه أنه كان هو الذي ينصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في مغازيه ، وهو الذي قام [62]  . الإسلام بسيفه في أول الأمر مع ضعف الإسلام . 
				
						
						
