الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ( فصل )

                  قال الرافضي [1] : " السادس أنه كان مستجاب الدعاء  [2] . دعا على بسر بن أرطأة [3] بأن يسلبه الله عز وجل عقله فخولط فيه ، ودعا على العيزار [4] بالعمى فعمي ، ودعا على أنس [5] لما [ ص: 154 ] كتم شهادته بالبرص فأصابه ، وعلى زيد بن أرقم بالعمى فعمي " [6] .

                  والجواب : أن هذا موجود في الصحابة أكثر منه ، وممن بعد الصحابة ، ما دام في الأرض مؤمن . وكان سعد بن أبي وقاص لا تخطئ له دعوة  ، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " اللهم سدد رميته وأجب دعوته " [7] . وفي صحيح مسلم أن عمر لما أرسل إلى الكوفة من يسأل عن سعد ، فكان الناس يثنون خيرا ، حتى سئل عنه رجل من بني عبس فقال : أما إذ أنشدتمونا سعدا ، فكان لا يخرج في السرية ، ولا يعدل في الرعية ، ولا يقسم بالسوية . فقال سعد : " اللهم إن كان كاذبا ، قام رياء وسمعة ، فأطل عمره ، وعظم فقره ، وعرضه للفتن " فكان يرى وهو شيخ كبير ، تدلى حاجباه من الكبر ، يتعرض للجواري يغمزهن في الطرقات ، ويقول : " شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد " [8] .

                  [ ص: 155 ] وكذلك سعيد بن زيد ، كان مستجاب الدعوة   . فروى حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن أروى بنت أوس استعدت مروان على سعيد ، وقالت : " سرق من أرضي ما أدخله في أرضه " فقال سعيد : " اللهم إن كانت كاذبة فأذهب بصرها ، واقتلها في أرضها " فذهب بصرها ، وماتت في أرضها [9] .

                  والبراء بن مالك كان يقسم على الله فيبر قسمه  ، كما في الصحيح : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك " [10] .

                  والعلاء بن الحضرمي ، نائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نائب أبي بكر - رضي الله عنه - على البحرين ، مشهور بإجابة الدعاء   . روى ابن أبي الدنيا بإسناده ، قال سهم بن منجاب : غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين [11] ، فدعا بثلاث دعوات ، فاستجاب الله له فيهن كلهن ، قال : سرنا معه ، ونزلنا منزلا ، وطلبنا الوضوء ، فلم نقدر عليه ، فقام فصلى ركعتين ، ثم دعا الله ، فقال : الله يا عليم يا حكيم ، يا علي يا عظيم ، إنا عبيدك ، وفي سبيلك نقاتل عدوك ، فاسقنا غيثا نشرب منه [ ص: 156 ] ونتوضأ من الإحداث ، وإذا تركناه فلا تجعل فيه نصيبا لأحد غيرنا . قال : فما جاوزنا غير بعيد ، فإذا نحن ببئر من ماء السماء تتدفق . قال : فنزلنا فروينا [12] ، وملأت إداوتي [13] ، ثم تركتها وقلت : لأنظرن هل استجيب له ؟ فسرنا ميلا أو نحوه ، فقلت لأصحابي : إني نسيت إداوتي [14] ، فجئت إلى ذلك المكان ، فكأنما لم يكن فيه ماء قط ، فأخذت إداوتي [15] ، فلما أتيت دارين ، وبيننا وبينهم البحر ، فدعا لله فقال : الله يا عليم يا حكيم ، يا علي يا عظيم ، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك ، فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك . ثم اقتحم بنا [16] البحر ، فوالله ما ابتلت سروجنا ، ثم خرجنا إليهم ، فلما رجعنا اشتكى البطن فمات ، فلم نجد ماء نغسله ، فلففناه في ثيابه ، فدفناه ، فلما سرنا غير بعيد إذا نحن بماء كثير ، فقال بعضهم لبعض : ارجعوا نستخرجه فنغسله ، فرجعنا فخفي علينا قبره ، فلم نقدر عليه . فقال رجل من القوم : إني سمعته يدعو الله يقول : اللهم يا عليم يا حكيم ، يا علي يا عظيم ، اخف حفرتي ، ولا تطلع على عورتي أحدا ، فرجعنا وتركناه [17] .

                  وقد كان عمر دعا بدعوات أجيب فيها ، من ذلك أنه لما نازعه بلال وطائفة معه في القسمة - قسمة الأرض - فقال : " اللهم اكفني بلالا وذويه " فما حال الحول ومنهم عين تطرف [18] .

                  [ ص: 157 ] وقال : " اللهم قد [19] كبرت سني ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مفتون ولا مضيع " فمات من عامه [20] .

                  ومثل هذا كثير جدا . وقد صنف ابن أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " كتابا [21] ، مع أن هذه القصص المذكورة عن علي لم يذكر لها إسنادا ، فتتوقف على معرفة الصحة ، مع أن فيها ما هو كذب لا ريب فيه ، كدعائه على أنس بالبرص ، ودعائه على زيد بن أرقم بالعمى .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية