قال الرافضي [1] : " التاسع : له مرتين : إحداهما : في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم . والثانية : بعده . أما الأولى فروى رجوع الشمس جابر وأبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه جبريل [2] يوما يناجيه من عند الله ، فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين ، فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس ، فصلى علي العصر [3] بالإيماء ، فلما استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : سل الله تعالى يرد عليك الشمس لتصلي العصر قائما ، فدعا ; فردت الشمس ، فصلى العصر قائما .
وأما الثانية : فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه [ بتعبير ] دوابهم [4] ، وصلى لنفسه [5] في طائفة من أصحابه العصر ، وفات كثيرا منهم ، فتكلموا في ذلك ، فسأل الله رد الشمس فردت . ونظمه الحميري [6] فقال : [ ص: 165 ]
ردت عليه الشمس لما فاته وقت الصلاة وقد دنت للمغرب حتى تبلج نورها في وقتها
للعصر ثم هوت هوي الكوكب وعليه قد ردت ببابل مرة
أخرى وما ردت لخلق معرب
والجواب : أن يقال : وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم علي [8] ، ولله الحمد ، من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني ، لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه . وحديث رد الشمس له قد ذكره طائفة ، فضل كالطحاوي ، ، وغيرهما ، وعدوا ذلك من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم . لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع ، كما ذكره والقاضي عياض في كتاب " الموضوعات " ابن الجوزي [9] فرواه من كتاب أبي جعفر العقيلي في الضعفاء ، من طريق عبيد الله [10] بن موسى ، عن ، عن فضيل بن مرزوق إبراهيم بن الحسن بن الحسن [11] ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن ، قالت : " أسماء بنت عميس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، ( * فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : صليت يا علي ؟ قال : لا * ) [12] . فقال رسول الله [ ص: 166 ] - صلى الله عليه وسلم : اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك ، فاردد عليه الشمس . فقالت أسماء : فرأيتها غربت ، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت " . قال أبو الفرج [13] : " وهذا حديث [14] موضوع بلا شك ، وقد اضطرب الرواة فيه ، فرواه ، عن سعيد بن مسعود ، عن عبيد الله بن موسى ، عن فضيل بن مرزوق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار [15] ، عن علي بن الحسين [16] ، عن فاطمة بنت علي [17] ، عن أسماء " . قال : [18] " وفضيل بن مرزوق ضعفه يحيى ، وقال : يروي الموضوعات ، ويخطئ على الثقات . قال أبو حاتم بن حبان أبو الفرج : " وهذا الحديث مداره على عنه " عبيد الله بن موسى [19] .
قلت : والمعروف أن رواه عن سعيد بن مسعود ، عن عبيد الله بن موسى ، عن فضيل بن مرزوق إبراهيم بن الحسن ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أسماء . ورواه محمد بن مرزوق ، عن حسين الأشقر ، عن علي بن عاصم ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار [20] ، عن علي بن [ ص: 167 ] الحسين [21] ، عن فاطمة بنت علي ، عن أسماء [22] ، كما سيأتي ذكره . قال أبو الفرج [23] : " وقد روى هذا الحديث ابن شاهين ، حدثنا [24] أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، حدثنا [25] أحمد بن يحيى الصوفي ، حدثنا [26] عبد الرحمن بن شريك ، حدثني أبي ، عن عروة بن عبد الله بن قشير [27] ، قال : دخلت على فاطمة بنت علي بن أبي طالب فحدثتني [ أن حدثتها ] أسماء بنت عميس [28] أن . . وذكر حديث رجوع الشمس . قال علي بن أبي طالب أبو الفرج [29] : " وهذا حديث باطل . أما عبد الرحمن بن شريك [30] ، فقال أبو حاتم [31] : هو واهي الحديث . قال : وأنا لا أتهم بهذا الحديث إلا ابن عقدة [32] ; فإنه كان رافضيا يحدث بمثالب الصحابة " . " قال أبو أحمد بن عدي الحافظ : سمعت أبا بكر بن أبي طالب [33] يقول : ابن عقدة لا يتدين بالحديث ، كان يحمل شيوخا [34] بالكوفة على الكذب ، يسوي لهم نسخا ، ويأمرهم أن يرووها ، وقد بينا ذلك منه في [ ص: 168 ] غير نسخة [35] ، ( * وسئل عنه فقال : رجل سوء . قال الدارقطني أبو الفرج : " وقد رواه ابن مردويه من حديث داود بن فراهيج عن ، قال : أبي هريرة وداود ضعيف ، ضعفه * ) " شعبة [36] .
قلت : فليس في هؤلاء من يحتج به فيما دون هذا .
وأما الثاني ببابل فلا ريب أن هذا كذب [37] . وإنشاد الحميري لا حجة فيه ; لأنه لم يشهد ذلك ، والكذب قديم ، فقد سمعه فنظمه . وأهل الغلو في المدح والذم ينظمون ما لا تتحقق صحته ، لا سيما والحميري معروف بالغلو [38] .
وقد أخرجا في الصحيحين عن قال : " أبي هريرة [39] ، ولا رجل اشترى غنما - أو خلفات - وهو ينتظر [40] ولادها . قال : فغزوا ، فدنا من القرية ، حتى صلى العصر قريبا من ذلك ، فقال للشمس : أنت مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علي شيئا ، فحبست عليه حتى فتح الله عليه " الحديث غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه : لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة يريد أن يبني بها ولما [ ص: 169 ] يبن ، ولا رجل قد بنى بيتا ولم يرفع سقفه [41] .
فإن قيل : فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل ، فإذا كانت قد ردت ليوشع ، فما المانع أن ترد لفضلاء هذه الأمة ؟
فيقال : يوشع لم ترد له الشمس ، ولكن تأخر غروبها ، طول له النهار ، وهذا قد لا يظهر للناس ; فإن طول النهار وقصره لا يدرك . ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأيضا لا مانع من طول ذلك [42] ، لو شاء الله لفعل ذلك . لكن يوشع كان محتاجا إلى ذلك ; لأن القتال كان محرما عليه بعد غروب الشمس ; لأجل ما حرم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت . وأما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك ، ولا منفعة لهم فيه ، فإن الذي فاتته العصر إن كان مفرطا لم يسقط ذنبه إلا بالتوبة ، ومع التوبة لا يحتاج إلى [ ص: 170 ] رد ، وإن لم يكن مفرطا ، كالنائم والناسي ، فلا ملام عليه في الصلاة بعد الغروب .
وأيضا فبنفس غروب الشمس خرج الوقت المضروب للصلاة ، فالمصلي بعد ذلك لا يكون مصليا في الوقت الشرعي ولو عادت الشمس .
وقول الله تعالى : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) [ سورة طه : 130 ] يتناول الغروب المعروف ، فعلى العبد أن يصلي قبل هذا الغروب ، وإن طلعت ثم غربت . والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب ، فالصائم يفطر ، ولو عادت بعد ذلك لم يبطل صومه ، مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد ، ولا وقعت لأحد ، فتقديرها تقدير ما لا وجود له ; ولهذا لا يوجد الكلام على حكم مثل هذا في كلام العلماء المفرعين .
وأيضا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - فاتته العصر يوم الخندق ، فصلاها قضاء ، هو وكثير من أصحابه ، ولم يسأل الله رد الشمس .
وفي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه بعد ذلك لما أرسلهم إلى بني قريظة : " بني قريظة " . لا يصلين أحد العصر إلا في
فلما أدركتهم الصلاة في الطريق قال بعضهم : لم يرد منا تفويت الصلاة فصلوا في الطريق ، فقالت طائفة : لا نصلي إلا في بني قريظة ، فلم يعنف واحدة من الطائفتين [43] .
فهؤلاء الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلوا العصر بعد [ ص: 171 ] غروب الشمس ، وليس بأفضل من النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا صلاها هو وأصحابه معه بعد الغروب ; علي وأصحابه أولى بذلك . فعلي
فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزئ ، أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى برد الشمس ، وإن كانت كاملة مجزئة فلا حاجة إلى ردها .
وأيضا فمثل هذه القضية من . الأمور العظام الخارجة عن العادة ، التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها ، فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان علم بيان كذبهم في ذلك
وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس ، ومع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه ، وأخرجوه في الصحاح والسنن والمساند [44] من غير وجه [45] ، ونزل به القرآن ، فكيف برد الشمس التي تكون بالنهار ، ولا يشتهر ذلك ، ولا ينقله أهل العلم نقل مثله ؟ !
[ ص: 172 ] ولا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها ، وإن كان كثير من الفلاسفة والطبيعيين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر ، وما يشبه ذلك ، فليس الكلام في هذا المقام . لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفلك ، وكثير من الناس ينكر إمكانه ، فلو وقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه ونقله ، فكيف يقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور ؟ فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب لم يقع .
وإن كانت الشمس احتجبت بغيم ، ثم ارتفع سحابها ، فهذا من الأمور المعتادة ، ولعلهم ظنوا أنها غربت ، ثم كشف الغمام عنها .
وهذا - وإن كان قد وقع - ففيه أن الله بين له بقاء الوقت حتى يصلي فيه . ومثل هذا يجري لكثير من الناس .
وهذا الحديث قد صنف فيه مصنف جمعت فيه طرقه : صنفه أبو القاسم عبد الله بن عبد الله [46] بن أحمد الحكاني سماه " مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيب النواصب الشمس " [47] وقال : هذا حديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق ، ومن طريق أمير المؤمنين أسماء بنت عميس الخثعمية ، ومن طريق علي بن أبي طالب أبي هريرة . وذكر حديث وأبي سعيد أسماء من طريق محمد بن أبي فديك . [ ص: 173 ] قال : " أخبرني محمد بن موسى - وهو القطري - عن عون بن محمد ، عن أمه - أم جعفر - عن جدتها أسماء بنت عميس في حاجة ، فرجع وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني العصر ، فوضع رأسه في حجر عليا ولم يحركه حتى غابت الشمس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : اللهم إن عبدك علي [ في طاعتك وطاعة رسولك ] عليا [48] احتبس نفسه على نبيه [49] ، فرد عليه شرقها . قالت أسماء : فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال ، فقام فتوضأ وصلى العصر ، ثم غابت الشمس علي " . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر ، ثم أرسل
قال أبو القاسم المصنف : " أم جعفر هذه هي أم محمد بن جعفر بن أبي طالب ، والراوي عنها هو ابنها عون بن محمد بن علي المعروف ، أبوه ، والراوي عنه هو محمد بن الحنفية محمد [50] بن موسى المديني ، المعروف بالقطري . محمود في روايته ثقة . والراوي عنه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني : ثقة . وقد رواه عنه جماعة : منهم هذا الذي ذكرت روايته ، وهو أحمد بن الوليد الأنطاكي ، وقد رواه [51] عنه نفر منهم أحمد بن عمير بن حوصاء ، وذكره بإسناده من طريقه ، وفيه بالصهباء ، ثم أرسل في حاجة ، فرجع وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر ، فوضع رأسه في حجر عليا ، فلم يحركه حتى غربت الشمس ، فقال النبي - صلى الله عليه [ ص: 174 ] وسلم : اللهم إن عبدك علي احتبس نفسه على نبيه ، فرد عليها شرقها . قالت أسماء : فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ، فقام عليا وتوضأ وصلى العصر ، وذلك في علي الصهباء في غزوة خيبر . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر
قال : ومنهم أحمد بن صالح المصري ، عن ، رواه ابن أبي فديك في كتاب " تفسير متشابه الأخبار " من تأليفه من طريقه . أبو جعفر الطحاوي
ومنهم الحسن بن داود عن ، وذكره بإسناده ، ولفظه : ابن أبي فديك بالصهباء من أرض خيبر ، ثم أرسل في حاجة ، فرجع وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر ، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه في حجر عليا ، فلم يحركه حتى غربت الشمس ، فاستيقظ وقال : يا علي صليت العصر ؟ قال : لا علي . وذكره . قال : ويرويه عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر أسماء فاطمة بنت الحسين الشهيد .
ورواه من طريق أبي جعفر الحضرمي ، حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا حسين الأشقر ، حدثنا ، عن فضيل بن مرزوق إبراهيم بن الحسن ، عن ، عن فاطمة ، قالت : أسماء بنت عميس جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما صلى العصر ، فوضع رأسه - أو خده لا أدري أيهما قال - في حجر ، ولم يصل العصر حتى غابت الشمس علي " وذكره . نزل
قال المصنف : " ورواه عن جماعة ، منهم فضيل بن مرزوق عبيد الله [ ص: 175 ] ابن موسى العبسي . ورواه من طريقه ، ولفظه : الطحاوي ، فلم يصل العصر حتى غابت الشمس علي . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه ورأسه في حجر
ورواه أيضا من حديث عمار بن مطر عن فضيل ( * بن مرزوق ، من طريق أبي جعفر العقيلي صاحب كتاب " الضعفاء " .
قلت : وهذا اللفظ يناقض الأول ، ففيه أنه نام في حجره * ) [52] من صلاة العصر إلى غروب الشمس ، وأن ذلك في غزوة خيبر بالصهباء . وفي الثاني أنه كان مستيقظا يوحي إليه جبريل ، ورأسه في حجر علي حتى غربت الشمس . وهذا التناقض يدل على أنه غير محفوظ ; لأن هذا صرح [53] بأنه كان نائما هذا الوقت ، وهذا قال : كان يقظان يوحى إليه ، وكلاهما باطل ; فإن مكروه منهي عنه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه ، فكيف تفوت النوم بعد العصر صلاة العصر ؟ عليا