الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وفي هذا أنها توسطت المسجد ، وهذا من الكذب الظاهر ; فإن مثل هذا من أعظم غرائب العالم ، التي لو جرت لنقلها الجم الغفير . وفيه أنها لما غابت سمع لها صرير كصرير المنشار ، وهذا أيضا من الكذب الظاهر ; فإن هذا لا موجب له أيضا ، والشمس عند غروبها لا تلاقي من الأجسام ما يوجب هذا الصوت العظيم ، الذي يصل من الفلك الرابع إلى [ ص: 186 ] الأرض . ثم لو كان هذا حقا لكان من أعظم عجائب العالم التي تنقلها الصحابة ، الذين نقلوا ما هو دون هذا مما كان في خيبر وغير خيبر .

                  وهذا الإسناد لو روي به ما يمكن صدقه لم يثبت به شيء ، فإن علي بن هاشم بن البريد كان غاليا في التشيع ، يروي عن كل أحد يحرضه على ما يقوي به هواه [1] ، ويروي عن مثل صباح هذا ، وصباح هذا لا يعرف من هو . ولهم في هذه الطبقة صباح بن سهل الكوفي ، يروي عن حصين بن عبد الرحمن . قال البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم : منكر الحديث . وقال الدارقطني : ضعيف . وقال ابن حبان : يروي المناكير عن أقوام مشاهير ، لا يجوز الاحتجاج بخبره .

                  ولهم آخر يقال له : صباح بن محمد بن أبي حازم البجلي [2] ( * الأحمسي الكوفي يروي عن مرة الهمداني . قال ابن حبان : يروي عن الثقات الموضوعات .

                  ولهم شخص يقال له صباح * ) [3] العبدي [4] قال الرازي : هو مجهول . وآخر يقال له : ابن مجالد ، مجهول يروي عنه بقية [5] . قال ابن عدي : ليس بالمعروف ، هو من شيوخ بقية [6] المجهولين .

                  [ ص: 187 ] وحسين المقتول : إن أريد به الحسين بن علي ، فذلك أجل قدرا من أن يروي عن واحد عن أسماء بنت عميس ، سواء كانت فاطمة أخته أو ابنته ، فإن هذه القصة لو كانت حقا لكان هو أخبر بها من هؤلاء ، وكان قد سمعها من أبيه ومن غيره ، ومن أسماء امرأة أبيه ، وغيرها ، لم يروها عن بنته أو أخته ، عن أسماء امرأة أبيه .

                  ولكن ليس هو الحسين بن علي ، بل هو غيره ، أو هو عبد الله بن الحسن أبو جعفر ، ولهما أسوة أمثالهما .

                  والحديث لا يثبت إلا برواية من علم أنه عدل ضابط ثقة يعرفه أهل الحديث بذلك . ومجرد العلم بنسبته لا يفيد ذلك ، ولو كان من كان . وفي أبناء الصحابة والتابعين من لا يحتج بحديثه ، وإن كان أبوه من خيار المسلمين .

                  هذا إن كان علي بن هاشم رواه ، وإلا فالراوي عنه عباد بن يعقوب الرواجني . قال [7] ابن حبان : كان رافضيا ( * داعية يروي المناكير عن المشاهير ; فاستحق الترك . وقال ابن عدي : روى أحاديث أنكرت عليه في فضائل * ) [8] أهل البيت ومثالب غيرهم . والبخاري وغيره روى عنه من الأحاديث ما يعرف صحته ، وإلا فحكاية قاسم المطرز عنه أنه قال : إن عليا حفر البحر ، وإن الحسن أجرى فيه الماء ، مما يقدح فيه قدحا بينا [9] .

                  [ ص: 188 ] قال المصنف : قد رواه عن أسماء سوى هؤلاء ، وروى [10] من طريق أبي العباس بن عقدة ، وكان مع حفظه جماعا لأكاذيب [11] الشيعة . قال أبو أحمد بن عدي : رأيت مشايخ بغداد يسيئون [12] الثناء عليه ، يقولون : لا يتدين بالحديث ، ويحمل شيوخا بالكوفة على الكذب ، ويسوي [13] لهم نسخا ، ويأمرهم بروايتها . وقال الدارقطني : كان ابن عقدة رجل سوء [14] . قال ابن عقدة : حدثنا يحيى بن زكريا ، أخبرنا يعقوب بن معبد ، حدثنا عمرو بن ثابت ، قال : سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن علي عن حديث رد الشمس على علي : هل ثبت عندكم ؟ فقال لي : ما أنزل الله في علي في كتابه أعظم من رد الشمس . قلت : صدقت جعلني الله فداك ، ولكني أحب أن أسمعه منك . قال : [ حدثني عبد الله ] ، حدثني أبي الحسن [15] ، عن أسماء بنت عميس أنها قالت : أقبل علي ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوافق [ ص: 189 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد انصرف ونزل [16] عليه الوحي ، فأسنده إلى صدره ، فلم يزل مسنده إلى صدره حتى أفاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أصليت العصر يا علي ؟ قال : جئت والوحي ينزل عليك ، فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة . فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة وقد غربت الشمس ، فقال : اللهم إن عليا كان في طاعتك فارددها عليه . قالت أسماء : فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى حتى ركدت في موضعها وقت العصر ، فقام علي متمكنا [17] فصلى العصر ، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى ، فلما غابت الشمس اختلط الظلام ، وبدت النجوم .

                  قلت : بهذا اللفظ الخامس يناقض تلك الألفاظ المتناقضة ، ويزيد الناظر بيانا في أنها مكذوبة مختلقة ; فإنه ذكر فيها أنها ردت إلى موضعها وقت العصر ، وفي الذي قبله : إلى نصف النهار ، وفي الآخر : حتى ظهرت على رءوس الجبال . وفي هذا أنه كان مسنده إلى صدره ، وفي ذاك أنه كان رأسه في حجره .

                  وعبد الله بن الحسن لم يحدث بهذا قط ، وهو كان أجل قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب ، ولا أبوه الحسن روى هذا عن أسماء . وفيه : ما أنزل [18] الله في علي في كتابه أعظم من رد الشمس [19] شيئا . ومعلوم أن الله لم ينزل في علي ولا غيره في كتابه في رد الشمس شيئا [20] .

                  [ ص: 190 ] وهذا الحديث ، إن كان ثابتا عن عمرو بن ثابت ، الذي رواه عن عبد الله [21] ، فهو الذي اختلقه ; فإنه كان معروفا بالكذب . قال أبو حاتم بن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات . وقال يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال مرة : ليس بثقة ولا مأمون . وقال النسائي : متروك الحديث [22] .

                  قال المصنف : وأما رواية أبي هريرة فأنبأنا [23] عقيل بن الحسن العسكري ، حدثنا أبو محمد صالح بن أبي الفتح الشناسي [24] ، حدثنا أحمد بن عمرو بن حوصاء ، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي [25] ، عن أبيه ، قال : حدثنا داود بن فراهيج ، عن عمارة بن فرو [26] ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وذكره . . قال المصنف : اختصرته من حديث طويل .

                  قلت : هذا إسناد مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم ، بل يعرف [ ص: 191 ] كذبه من وجوه ; فإنه وإن كان داود بن فراهيج مضعفا ، كان شعبة يضعفه ، وقال النسائي : ضعيف الحديث لا يثبت الإسناد إليه ، فإن فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي ، وهو الذي رواه عنه وعن عمارة . قال البخاري : أحاديثه شبه لا شيء ، وضعفه جدا . وقال النسائي : متروك [ ضعيف ] [27] الحديث . وقال الدارقطني : منكر الحديث جدا . وقال أحمد : عنده مناكير . وقال الدارقطني : ضعيف .

                  وإن [28] كان حدث به إبراهيم بن سعيد الجوهري ، فالآفة من هذا . وإن كان يقال : إنه لم يثبته لا إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري ولا إلى ابن حوصاء [29] ، فإن هذين معروفان ، وأحاديثهما معروفة قد رواها عنهما الناس [30] ; ولهذا لما روى ابن حوصاء الطريق الأول كان الإسناد إليه معروفا عنه ، رواه بالأسانيد المعروفة ، لكن الآفة فيه ممن بعده . وأما هذا فمن قبل ابن حوصاء لا يعرفون [31] . وإن قدر أنه ثابت عنه ، فالآفة بعده .

                  وذكر أبو الفرج بن الجوزي أن ابن مردويه رواه من طريق داود بن فراهيج ، وذكر ضعف ابن فراهيج ، ومع هذا فالإسناد إليه فيه الكلام أيضا .

                  قال المصنف : وأما رواية أبي سعيد الخدري ، فأخبرنا محمد بن [ ص: 192 ] إسماعيل الجرجاني كتابة ، أن أبا طاهر محمد بن علي الواعظ أخبرهم ، أنبأنا محمد بن أحمد بن منعم ، أنبأنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر ، حدثني أبي ، عن أبيه محمد ، عن أبيه عبد الله ، عن أبيه محمد [32] ، عن أبيه عمر قال : قال الحسين بن علي : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا رأسه في حجر علي ، وقد غابت الشمس ، فانتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا علي صليت العصر ؟ قال : لا يا رسول الله ما صليت ; كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ادع يا علي أن ترد عليك [33] الشمس . ( * فقال علي : يا رسول الله ادع أنت أؤمن [34] . قال : يا رب إن عليا في طاعتك وطاعة رسولك ; فاردد عليه الشمس * ) [35] . قال أبو سعيد : فوالله لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة ، حتى رجعت بيضاء نقية .

                  قلت : هذا الإسناد لا يثبت بمثله شيء ، وكثير من رجاله لا يعرفون بعدالة ولا ضبط ، ولا حمل للعلم [36] ، ولا لهم ذكر في كتب العلم ، وكثير من رجاله [37] لو لم يكن فيهم إلا واحد بهذه المنزلة لم يكن ثابتا ، فكيف إذا كان كثير منهم - أو أكثرهم - كذلك ، ومن هو معروف بالكذب ، مثل عمرو بن ثابت ؟ !

                  [ ص: 193 ] وفيه : أنه كان وجعا ، وأنه سمع صوتها [38] حين طلعت كصرير [39] البكرة ، وهذا باطل عقلا ، ولم يذكره أولئك . ولو كان مثل هذا الحديث عن أبي سعيد - مع محبته لعلي وروايته لفضائله - لرواه عنه أصحابه المعروفون ، كما رووا غير ذلك من فضائل علي ، مثل رواية أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر الخوارج ، قال : " تقتلهم أولى الطائفتين بالحق " [40] ، ومثل روايته أنه قال لعمار : " تقتلك الفئة الباغية " [41] ، فمثل هذا الحديث الصحيح عن أبي سعيد بين فيه أن عليا وأصحابه أولى بالحق من معاوية وأصحابه ، فكيف لا يروي عنه مثل هذا لو كان صحيحا ؟ !

                  ولم يحدث بمثل هذا الحسين ولا أخوه عمر ولا علي ، ولو كان مثل هذا عندهما لحدث به [42] عنهما [43] المعروفون [44] بالحديث عنهما ; فإن هذا أمر عظيم .

                  قال المصنف : وأما رواية أمير المؤمنين ، فأخبرنا أبو العباس الفرغاني ، أخبرنا أبو الفضل الشيباني ، حدثنا رجاء بن يحيى الساماني ، حدثنا هارون بن مسلم [ بن سعيد ] [45] بسامرا [46] سنة أربعين ومائتين ، [ ص: 194 ] حدثنا عبد الله بن عمرو الأشعث ، عن داود بن الكميت ، عن عمه المستهل بن زيد ، عن أبي زيد بن سهلب [47] ، عن جويرية بنت مسهر [48] ، قالت [49] : خرجت مع علي فقال : يا جويرية إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوحى إليه ورأسه في حجري ، وذكره . .

                  قلت : وهذا الإسناد أضعف مما تقدم ، وفيه من الرجال المجاهيل الذين لا يعرف أحدهم بعدالة ولا ضبط . وانفرادهم بمثل هذا الذي لو كان علي قاله لرواه عنه المعروفون من أصحابه ، وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة [50] ، ولا يعرف حال هذه المرأة ، ولا حال هؤلاء الذين رووا عنها ، بل ولا تعرف أعيانهم ، فضلا عن صفاتهم - لا يثبت فيه [51] شيء ، وفيه ما يناقض الرواية التي هي أرجح منه ، مع أن الجميع كذب ; فإن المسلمين رووا من فضائل علي ومعجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هو دون هذا ، وهذا لم يروه [ أحد ] [52] من أهل العلم بالحديث .

                  وقد صنف جماعة من علماء الحديث في فضائل علي ، كما صنف الإمام أحمد فضائله ، وصنف أبو نعيم في فضائله ، وذكر فيها أحاديث [ ص: 195 ] كثيرة ضعيفة ، ولم يذكر هذا ; لأن الكذب ظاهر عليه ، بخلاف غيره . وكذلك لم يذكره الترمذي ، مع أنه جمع في فضائل علي أحاديث ، كثير [53] منها ضعيف . وكذلك النسائي وأبو عمر بن عبد البر . وجمع النسائي مصنفا في [54] خصائص علي .

                  قال المصنف : وقد حكى أبو جعفر الطحاوي [55] عن علي بن عبد الرحمن ، عن أحمد بن صالح المصري ، أنه كان يقول [56] : لا [57] ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء في رد الشمس ; لأنه من علامات النبوة [58] .

                  قلت : أحمد بن صالح رواه من الطريق الأول ، ولم يجمع طرقه وألفاظه التي تدل من وجوه كثيرة على أنه كذب . وتلك الطريق راويها مجهول عنده ، ليس معلوم الكذب عنده ، فلم يظهر له كذبه .

                  والطحاوي ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم ; ولهذا روى في " شرح معاني الآثار " الأحاديث المختلفة ، وإنما يرجح ما يرجحه منها في الغالب من جهة القياس الذي رآه حجة ، ويكون أكثرها مجروحا من جهة [59] الإسناد لا يثبت ، ولا يتعرض لذلك ; فإنه لم تكن معرفته بالإسناد [ ص: 196 ] كمعرفة أهل العلم به ، وإن كان كثير الحديث ، فقيها عالما [60] .

                  قال المصنف : وقال أبو عبد الله البصري : عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا فيما يقتضي نقله ; لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين ، فإنه من أعلام النبوة ، وهو مفارق لغيره من [61] فضائله في كثير من أعلام النبوة .

                  قلت : وهذا من أظهر الأدلة على أنه كذب ; فإن أهل العلم بالحديث رووا فضائل علي التي ليست من أعلام النبوة ، وذكروها في الصحاح والسنن والمساند ، رووها عن العلماء الأعلام الثقات المعروفين . فلو كان هذا مما رواه الثقات ، لكانوا أرغب في روايته ، وأحرص الناس على [ بيان ] [62] صحته ، لكنهم لم يجدوا أحدا رواه بإسناد يعرف أهله بحمل العلم ، ولا يعرفون بالعدالة والضبط ، مع ما فيه من الأدلة الكثيرة [63] على تكذيبه .

                  [ ص: 197 ] قال : وقال أبو العباس بن عقدة ، حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو [64] ، أنبأنا [65] سليمان بن عباد ، سمعت بشار بن دراع ، قال : لقي أبو حنيفة [66] محمد بن النعمان [67] فقال : عمن رويت حديث رد الشمس ؟ فقال : عن غير الذي رويت عنه يا سارية الجبل . قال المصنف : وكل هذه أمارات ثبوت الحديث .

                  قلت : هذا يدل على أن أئمة أهل العلم لم يكونوا يصدقون بهذا الحديث ; فإنه لم يروه إمام من أئمة المسلمين . وهذا أبو حنيفة ، أحد الأئمة المشاهير ، وهو لا يتهم على علي ، فإنه من أهل الكوفة دار الشيعة ، وقد لقي من الشيعة ، وسمع من فضائل علي ما شاء الله ، وهو يحبه ويتولاه ، ومع هذا أنكر هذا الحديث على محمد بن النعمان [68] . وأبو حنيفة أعلم وأفقه من الطحاوي وأمثاله ، ولم يجبه ابن النعمان بجواب صحيح ، بل قال : عن غير من رويت عنه حديث : يا سارية الجبل .

                  فيقال له : هب أن ذلك كذب ، فأي شيء في كذبه مما يدل على [ ص: 198 ] صدق هذا . فإن كان كذلك [69] ، فأبو حنيفة لا ينكر أن يكون لعمر وعلي وغيرهما كرامات ، بل أنكر هذا الحديث ; للدلائل الكثيرة على كذبه ، ومخالفته للشرع والعقل ، وأنه لم يروه أحد من العلماء المعروفين بالحديث ، من التابعين وتابعيهم ، وهم الذين يروون عن الصحابة ، بل لم يروه إلا كذاب أو مجهول لا يعلم عدله وضبطه ، فكيف يقبل هذا من مثل هؤلاء ؟ !

                  وسائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا صحيحا ; لما فيه من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضيلة علي ، على الذين يحبونه ويتولونه ، ولكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب ، فردوه ديانة [70] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية