الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  إذ تبين هذا ، فما ذكره من فضائله ، التي هي عند الله فضائل ، فهي حق . لكن للثلاثة ما هو أكمل منها .

                  وأما ما ذكره من الفضيلة بالقرابة ، فعنه أجوبة :

                  أحدها : أن هذا ليس هو عند الله فضيلة ، فلا عبرة به ; فإن العباس أقرب منه نسبا ، وحمزة من السابقين الأولين من المهاجرين ، وقد روي أنه " سيد الشهداء " [1] ، وهو أقرب نسبا منه .

                  وللنبي - صلى الله عليه وسلم - من بني العم عدد كثير ، كجعفر ، وعقيل وعبد الله [2] ، وعبيد الله ، والفضل وغيرهم من بني العباس . وكربيعة ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .

                  [ ص: 245 ] وليس هؤلاء أفضل من أهل بدر ، ولا من أهل بيعة الرضوان ، ولا من السابقين الأولين ، إلا من تقدم بسابقته ، كحمزة وجعفر ; فإن هذين - رضي الله عنهما - من السابقين الأولين . وكذلك عبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر .

                  وحينئذ فما ذكره من فضائل فاطمة والحسن والحسين لا حجة فيه ، مع أن هؤلاء لهم من الفضائل الصحيحة ما لم يذكره هذا المصنف ، ولكن ذكر ما هو كذب ، كالحديث الذي رواه أخطب [3] خوارزم : أنه لما تزوج علي بفاطمة ، زوجه الله إياها من فوق سبع سماوات ، وكان الخاطب جبريل ، وكان إسرافيل وميكائيل في سبعين ألفا من الملائكة شهودا .

                  وهذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث .

                  وكذلك الحديث الذي ذكره عن حذيفة .

                  الثاني : أن يقال : إن كان إيمان الأقارب فضيلة ، فأبو بكر متقدم في هذه الفضيلة ; فإن أباه آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق الناس ، وأبو طالب لم يؤمن . وكذلك أمه آمنت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأولاده ، وأولاد أولاده ، وليس هذا لأحد من الصحابة غيره . فليس في أقارب أبي بكر - ذرية أبي قحافة - لا من الرجال ولا من النساء إلا من قد آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم .

                  وقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بنته ، وكانت أحب أزواجه إليه . وهذا أمر لم يشركه فيه أحد من الصحابة إلا عمر ، ولكن لم تكن حفصة [ ص: 246 ] ابنته بمنزلة عائشة ، بل حفصة طلقها ثم راجعها ، وعائشة كان يقسم لها ليلتين ، لما وهبتها سودة ليلتها .

                  ومصاهرة أبي بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - كانت على وجه لا يشاركه فيه أحد ، وأما مصاهرة علي فقد شركه فيها عثمان ، وزوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - بنتا بعد بنت ، وقال : " لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان " ; ولهذا سمي ذو النورين ; لأنه تزوج بنتي نبي . وقد شركه في ذلك أبو العاص بن الربيع ، زوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر بناته زينب ، وحمد مصاهرته ، وأراد أن يتشبه به علي في حكم المصاهرة ، لما أراد علي أن يتزوج بنت أبي جهل ، فذكر [4] صهره هذا . قال : " حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي " [5] .

                  وأسلمت زينب قبل إسلامه بمدة ، وتأيمت عليه ، حتى أعادها إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل : أعادها بالنكاح الأول . وقيل : بل جدد لها نكاحا . والصحيح : أنه أعادها بالنكاح الأول . هذا الذي ثبته أئمة الحديث ، كأحمد وغيره .

                  وقد تنازع الناس في مثل هذه المسألة : إذا أسلمت الزوجة [6] قبل زوجها ، على أقوال مذكورة في غير هذا الموضع [7] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية