الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " الثاني : أنا [2] قد بينا أنه يجب في كل زمان إمام معصوم  ، ولا معصوم غير هؤلاء إجماعا " [3] .

                  والجواب من وجوه : أحدها : منع [4] المقدمة الأولى كما تقدم .

                  والثاني : منع طوائف لهم المقدمة الثانية [5] .

                  [ ص: 261 ] الثالث [6] : أن هذا المعصوم الذي يدعونه في وقت ما له مذ ولد عندهم أكثر من [7] أربعمائة وخمسين سنة ; فإنه دخل السرداب عندهم سنة ستين ومائتين ، وله خمس سنين عند بعضهم ، وأقل من ذلك عند آخرين [8] ، ولم يظهر عنه شيء مما يفعله أقل الناس تأثيرا [9] ، مما يفعله آحاد الولاة والقضاة والعلماء ، فضلا عما يفعله الإمام المعصوم . فأي منفعة للوجود [10] في مثل هذا لو كان موجودا ؟ فكيف إذا كان معدوما ؟ !

                  والذين آمنوا بهذا المعصوم ، أي لطف وأي منفعة [11] حصلت لهم به نفسه في دينهم أو دنياهم ؟ !

                  وهل هذا إلا أفسد مما يدعيه كثير من العامة في القطب والغوث ونحو ذلك من أسماء يعظمون مسماها ، ويدعون في مسماها [12] ما هو أعظم من رتبة [13] النبوة ، من غير تعيين لشخص معين يمكن أن ينتفع به الانتفاع المذكور في مسمى هذه الأسماء .

                  [ ص: 262 ] وكما يدعي كثير منهم حياة الخضر ، مع أنهم لم يستفيدوا بهذه الدعوى منفعة : لا في دينهم ، ولا في دنياهم .

                  وإنما غاية من يدعي ذلك أن يدعي جريان بعض ما يقدره [14] الله على يدي [15] مثل هؤلاء . وهذا مع أنه [16] لا حاجة لهم به ، فلا حاجة بهم [17] إلى معرفته ، ولم ينتفعوا بذلك لو كان حقا ، فكيف إذا كان ما يدعونه باطلا ؟ !

                  ومن هؤلاء من يتمثل له الجني في صورة ، ويقول : أنا الخضر ، ويكون كاذبا . وكذلك الذين يذكرون رجال الغيب ورؤيتهم إنما رأوا الجن ، وهم رجال غائبون ، وقد يظنون أنهم إنس . وهذا قد بيناه في مواضع تطول حكايتها مما تواتر عندنا .

                  وهذا الذي تدعيه الرافضة إما مفقود عندهم ، وإما معدوم عند العقلاء . وعلى التقديرين فلا منفعة لأحد به ، لا في دين ولا [ في ] دنيا [18] . فمن علق به دينه بالمجهولات التي لا يعلم ثبوتها [19] كان ضالا في دينه ; لأن ما علق به دينه لم يعلم صحته ، ولم يحصل له به منفعة ، فهل يفعل مثل هذا إلا جاهل ؟ !

                  لكن الذين يعتقدون حياة الخضر لا يقولون : إنه يجب على الناس طاعته ، مع أن الخضر كان حيا موجودا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية