[ ص: 264 ] باب
قال الرافضي [1] : " الفصل الخامس : أن [2] من تقدمه لم يكن إماما . ويدل عليه وجوه [3] " .
قلت : والجواب : أنه إن أريد بذلك أنهم لم يتولوا على المسلمين ، ولم يبايعهم المسلمون ، ولم يكن لهم سلطان يقيمون به الحدود [4] ، ويوفون به الحقوق ، ويجاهدون به العدو ، ويصلون بالمسلمين الجمع والأعياد ، وغير ذلك مما هو داخل في معنى الإمامة - فهذا بهت ومكابرة . فإن هذا أمر معلوم بالتواتر ، والرافضة وغيرهم يعلمون ذلك ، ولو لم يتولوا الإمامة لم تقدح فيهم الرافضة .
لكن هم يطلقون ثبوت الإمامة وانتفاءها ولا يفصلون [5] : هل المراد ثبوت نفس الإمامة ومباشرتها ؟ أو نفس استحقاق ولاية الإمامة ؟
ويطلقون لفظ " الإمام " على الثاني ، ويوهمون أنه يتناول النوعين .
[ ص: 265 ] وإن أريد بذلك أنهم كان يصلح لها دونهم عليا ، أو أنه كان أصلح لها منهم - فهذا كذب ، وهو مورد النزاع . لم يكونوا يصلحون للإمامة ، وأن
ونحن نجيب في ذلك جوابا عاما كليا ، ثم نجيب بالتفصيل .
أما الجواب العام الكلي فنقول : نحن عالمون بكونهم أئمة صالحين للإمامة علما يقينا قطعيا ، وهذا لا يتنازع فيه اثنان من طوائف المسلمين غير الرافضة ، بل أئمة الأمة وجمهورها يقولون : إنا نعلم أنهم كانوا أحق بالإمامة ، بل يقولون : إنا نعلم أنهم كانوا أفضل الأمة .
وهذا الذي نعلمه ونقطع به ونجزم به لا يمكن أن يعارض بدليل قطعي ولا ظني . أما القطعي : فلأن القطعيات لا يتناقض موجبها ومقتضاها . وأما الظنيات : فلأن الظني لا يعارض القطعي .
وجملة ذلك أن كل ما يورده القادح فلا يخلو عن أمرين : إما نقل لا نعلم صحته ، أو لا نعلم دلالته على بطلان إمامتهم ، وأي المقدمتين لم يكن معلوما لم يصلح لمعارضته ما علم قطعا .
وإذا قام الدليل القطعي على ثبوت إمامتهم ، لم يكن علينا أن نجيب عن الشبه [6] المفضلة ، كما أن ما علمناه قطعا لم يكن علينا أن نجيب عما يعارضه من الشبه السوفسطائية .
وليس لأحد أن يدفع ما علم أيضا يقينا بالظن ، سواء كان ناظرا أو مناظرا . بل إن تبين له وجه فساد الشبهة وبينه لغيره ، كان ذلك زيادة علم ومعرفة [ ص: 266 ] وتأييد للحق [7] في النظر والمناظرة ، وإن لم يتبين ذلك لم يكن له أن يدفع اليقين بالشك . وسنبين إن شاء الله تعالى الأدلة الكثيرة على استحقاقهم للإمامة ، وأنهم كانوا أحق بها من غيرهم [8] .