الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 264 ] باب

                  قال الرافضي [1] : " الفصل الخامس : أن [2] من تقدمه لم يكن إماما . ويدل عليه وجوه [3] " .

                  قلت : والجواب : أنه إن أريد بذلك أنهم لم يتولوا على المسلمين ، ولم يبايعهم المسلمون ، ولم يكن لهم سلطان يقيمون به الحدود [4] ، ويوفون به الحقوق ، ويجاهدون به العدو ، ويصلون بالمسلمين الجمع والأعياد ، وغير ذلك مما هو داخل في معنى الإمامة - فهذا بهت ومكابرة . فإن هذا أمر معلوم بالتواتر ، والرافضة وغيرهم يعلمون ذلك ، ولو لم يتولوا الإمامة لم تقدح فيهم الرافضة .

                  لكن هم يطلقون ثبوت الإمامة وانتفاءها ولا يفصلون [5] : هل المراد ثبوت نفس الإمامة ومباشرتها ؟ أو نفس استحقاق ولاية الإمامة ؟

                  ويطلقون لفظ " الإمام " على الثاني ، ويوهمون أنه يتناول النوعين .

                  [ ص: 265 ] وإن أريد بذلك أنهم لم يكونوا يصلحون للإمامة ، وأن عليا كان يصلح لها دونهم ، أو أنه كان أصلح لها منهم - فهذا كذب ، وهو مورد النزاع .

                  ونحن نجيب في ذلك جوابا عاما كليا ، ثم نجيب بالتفصيل .

                  أما الجواب العام الكلي فنقول : نحن عالمون بكونهم أئمة صالحين للإمامة علما يقينا قطعيا ، وهذا لا يتنازع فيه اثنان من طوائف المسلمين غير الرافضة ، بل أئمة الأمة وجمهورها يقولون : إنا نعلم أنهم كانوا أحق بالإمامة ، بل يقولون : إنا نعلم أنهم كانوا أفضل الأمة .

                  وهذا الذي نعلمه ونقطع به ونجزم به لا يمكن أن يعارض بدليل قطعي ولا ظني . أما القطعي : فلأن القطعيات لا يتناقض موجبها ومقتضاها . وأما الظنيات : فلأن الظني لا يعارض القطعي .

                  وجملة ذلك أن كل ما يورده القادح فلا يخلو عن أمرين : إما نقل لا نعلم صحته ، أو لا نعلم دلالته على بطلان إمامتهم ، وأي المقدمتين لم يكن معلوما لم يصلح لمعارضته ما علم قطعا .

                  وإذا قام الدليل القطعي على ثبوت إمامتهم ، لم يكن علينا أن نجيب عن الشبه [6] المفضلة ، كما أن ما علمناه قطعا لم يكن علينا أن نجيب عما يعارضه من الشبه السوفسطائية .

                  وليس لأحد أن يدفع ما علم أيضا يقينا بالظن ، سواء كان ناظرا أو مناظرا . بل إن تبين له وجه فساد الشبهة وبينه لغيره ، كان ذلك زيادة علم ومعرفة [ ص: 266 ] وتأييد للحق [7] في النظر والمناظرة ، وإن لم يتبين ذلك لم يكن له أن يدفع اليقين بالشك . وسنبين إن شاء الله تعالى الأدلة الكثيرة على استحقاقهم للإمامة ، وأنهم كانوا أحق بها من غيرهم [8] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية