( فصل )
قال الرافضي [1] : " الحادي عشر : عليا [2] ، وأمره برده ، وأن يتولى هو ذلك ، ومن لا يصلح لأداء سورة أو بعضها ، فكيف أنه - صلى الله عليه وسلم - أنفذه لأداء سورة براءة ، ثم أنفذ [3] يصلح [ ص: 296 ] للإمامة العامة المتضمنة لأداء الأحكام إلى جميع الأمة ؟ ! "
والجواب من وجوه : أحدها : أن هذا كذب باتفاق أهل العلم ، وبالتواتر العام ; على الحج سنة تسع ، لم يرده ولا رجع ، بل هو الذي أقام للناس الحج ذلك العام ، أبا بكر من جملة رعيته ، يصلي خلفه ، ويدفع بدفعه ، ويأتمر بأمره كسائر من وعلي معه . فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل
وهذا من العلم المتواتر عند أهل العلم : لم يختلف اثنان في أن هو الذي أقام الحج ذلك العام بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم . فكيف يقال : إنه أمره برده ؟ ! أبا بكر
ولكن أردفه بعلي [4] لينبذ إلى المشركين عهدهم ; لأن عادتهم كانت جارية أن لا يعقد العقود [5] ولا يحلها إلا المطاع ، أو رجل من أهل بيته ، فلم يكونوا يقبلون ذلك من كل أحد .
وفي الصحيحين م : وفي الصحيح [6] عن قال : بعثني أبي هريرة في الحجة التي أمره عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع ، في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : " أن أبو بكر الصديق [7] : بالبيت عريان " لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف [8] ، وفي رواية : ، وأمره أن يؤذن ببراءة ، فأذن علي معنا بعلي [9] في أهل منى يوم النحر ببراءة ، وبأن [10] لا يحج ( * بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . قال : فنبذ ثم أردف النبي - صلى الله عليه [ ص: 297 ] وسلم - إلى الناس في ذلك العام ، فلم يحج * ) أبو بكر [11] عام حجة الوداع - التي حج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشرك .
قال أبو محمد بن حزم [12] : " وما حصل في حجة كان من أعظم فضائله ; لأنه هو الذي خطب بالناس في ذلك الموسم والجمع العظيم ، والناس منصتون لخطبته ، يصلون خلفه ، الصديق من جملتهم . وفي السورة فضل وعلي وذكر الغار ، فقرأها أبي بكر على الناس ، فهذا مبالغة في فضل علي ، وحجة قاطعة " . أبي بكر
وتأميره على لأبي بكر هذا كان بعد قوله : " علي هارون من موسى ؟ " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة [13] ، ولا ريب أن هذا الرافضي ونحوه من شيوخ الرافضة من أجهل الناس بأحوال الرسول وسيرته وأموره ووقائعه ، يجهلون من ذلك ما هو متواتر معلوم لمن له أدنى معرفة بالسيرة ، ويجيئون إلى ما وقع فيقبلونه ، ويزيدون فيه وينقصون .
وهذا القدر ، وإن كان الرافضي لم يفعله ، فهو فعل شيوخه وسلفه [ ص: 298 ] الذين قلدهم ، ولم يحقق ما قالوه ، ويراجع [14] ما هو المعلوم عند أهل العلم المتواتر عندهم ، المعلوم لعامتهم وخاصتهم .
الثاني : قوله : " الإمامة العامة متضمنة لأداء جميع الأحكام إلى الأمة " .
قول باطل ; فالأحكام كلها قد تلقتها الأمة عن نبيها ، لا تحتاج فيها إلى الإمام ، إلا كما تحتاج إلى نظائره من العلماء ، وكانت عامة الشريعة التي يحتاج الناس إليها عند الصحابة معلومة ، ولم يتنازعوا زمن الصديق في شيء منها ، إلا واتفقوا بعد النزاع بالعلم الذي [15] كان يظهره بعضهم لبعض ، وكان يعلم عامة الشريعة ، وإذا خفي عنه الصديق [16] الشيء اليسير سأل عنه الصحابة ممن كان عنده علم ذلك [17] ، كما [18] ، فأخبره من أخبره منهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاها [19] السدس سألهم عن ميراث الجدة [20] .
[ ص: 299 ] ولم يعرف فتيا ولا حكم خالف نصا ، وقد عرف لأبي بكر لعمر وعثمان من ذلك أشياء وعلي [21] ، والذي عرف أكثر مما عرف لهما لعلي [22] .
مثل قوله في [ الحامل ] [23] المتوفى عنها زوجها إنها تعتد أبعد الأجلين . وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لسبيعة الأسلمية لما وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث ليال : " حللت فانكحي من شئت " ، ولما قالت له : إن أبا السنابل قال : ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين . قال : " كذب أبو السنابل " أنه قال [24] .
وقد جمع في كتاب " خلاف الشافعي علي وعبد الله " من أقوال التي تركها الناس لمخالفتها النص أو معنى النص جزءا كبيرا . علي
وجمع بعده أكثر من ذلك ; فإنه كان إذا ناظره الكوفيون يحتج بالنصوص ، فيقولون : نحن أخذنا بقول محمد بن نصر المروزي علي ، فجمع لهم أشياء كثيرة وابن مسعود [25] من قول علي تركوه ، أو تركه الناس ، يقول : إذا جاز لكم خلافهما وابن مسعود [26] في تلك المسائل لقيام الحجة على خلافهما [27] ، فكذلك في سائر المسائل . ولم يعرف مثل هذا . لأبي بكر
[ ص: 300 ] الثالث : أن القرآن بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كل أحد من المسلمين ، فيمتنع أن يقال : إن لم يكن يصلح لتبليغه . أبا بكر
الرابع : أنه لا يجوز أن يظن أن بعلي ; فإن القرآن لا يثبت بخبر الآحاد ، بل لا بد أن يكون منقولا بالتواتر . تبليغ القرآن يختص
الخامس : أن الموسم ذلك العام كان يحج فيه المسلمون والمشركون ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن ينادي في الموسم : " أبا بكر " كما ثبت في الصحيحين أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان [28] . فأي حاجة كانت بالمشركين إلى أن يبلغوا القرآن [29] .