[ ص: 361 ] فصل .
قال الرافضي [1] : " الثاني : ما رووه [2] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . والجواب : المنع من الرواية ومن دلالتها على الإمامة ؛ فإن [3] الاقتداء بالفقهاء لا يستلزم كونهم أئمة ، وأيضا فإن أبا بكر وعمر قد [4] اختلفا في كثير من الأحكام فلا يمكن الاقتداء بهما وأيضا فإنه معارض لما [5] رووه من قوله : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم مع إجماعهم على انتفاء إمامتهم " .
والجواب من وجوه :
أحدها : أن يقال : هذا الحديث بإجماع أهل العلم بالحديث أقوى من النص الذي يروونه في إمامة علي ؛ فإن هذا أمر معروف في كتب أهل الحديث المعتمدة . ورواه أبو داود في سننه ، وأحمد في مسنده والترمذي في جامعه [6] .
[ ص: 362 ] وأما النص على علي فليس في شيء من كتب أهل الحديث المعتمدة وأجمع أهل الحديث على بطلانه حتى قال أبو محمد بن حزم [7] : وما وجدنا قط رواية عن أحد في هذا النص المدعى إلا رواية واهية عن مجهول إلى مجهول [8] يكنى أبا الحمراء لا نعرف [9] من هو في الخلق .
فيمتنع أن يقدح في هذا الحديث مع تصحيح النص على علي .
وأما الدلالة فالحجة [10] في قوله : " باللذين من بعدي " أخبر أنهما من بعده ، وأمر بالاقتداء بهما فلو كانا ظالمين أو كافرين [11] في كونهما بعده لم يأمر بالاقتداء بهما فإنه لا يأمر بالاقتداء بالظالم ، فإن الظالم لا يكون قدوة يؤتم به بدليل قوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) [ سورة البقرة : 124 ] فدل على أن الظالم لا يؤتم به . والائتمام هو الاقتداء ؛ فلما أمر بالاقتداء بمن بعده والاقتداء هو الائتمام مع إخباره أنهما يكونان بعده دل على أنهما إمامان [ قد أمر بالائتمام بهما ] [12] بعده ، وهذا هو المطلوب .
وأما قوله : " اختلفا في كثير من الأحكام " فليس الأمر كذلك ، بل [ ص: 363 ] لا يكاد يعرف اختلاف أبي بكر وعمر إلا في الشيء اليسير . والغالب أن يكون عن أحدهما فيه روايتان كالجد مع الإخوة ؛ فإن عمر عنه فيه روايتان إحداهما كقول أبي بكر .
وأما اختلافهما في قسمة الفيء : هل يسوى فيه بين الناس ، أو يفضل ؟ فالتسوية جائزة بلا ريب ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم الفيء والغنائم فيسوى بين الغانمين ومستحقي الفيء .
والنزاع في جواز التفضيل ، وفيه للفقهاء قولان ، هما روايتان عن أحمد . والصحيح جوازه للمصلحة ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفضل أحيانا في قسمة الغنائم والفيء ، وكان يفضل السرية في البدأة : الربع بعد الخمس ، وفي الرجعة : الثلث بعد الخمس ؛ فما فعله الخليفتان فهو جائز ؛ مع أنه قد روى عن عمر أنه اختار في آخر عمره التسوية وقال لئن عشت إلى قابل لأجعل الناس بابا [13] واحدا " .
وروي عن عثمان التفضيل وعن علي التسوية ؛ ومثل هذا لا يسوغ فيه إنكار إلا أن يقال : فضل من لا يستحق التفضيل كما أنكر على عثمان في بعض قسمه ؛ وأما تفضيل عمر فما بلغنا أن أحدا ذمه فيه .
وأما تنازعهما في تولية خالد وعزله فكل منهما فعل ما كان أصلح ؛ فكان الأصلح لأبي بكر تولية خالد ؛ لأن أبا بكر ألين من عمر ، فينبغي لنائبه أن يكون أقوى من نائب عمر ، فكانت استنابة عمر لأبي عبيدة [ أصلح له ] [14] واستنابة أبي بكر لخالد أصلح له ، ونظائر هذا متعددة .
[ ص: 364 ] وأما الأحكام التي هي شرائع كلية فاختلافهما فيها : إما نادر وإما معدوم ، وإما لأحدهما فيه قولان .
وأيضا فيقال : النص يوجب الاقتداء بهما فيما اتفقا عليه وفيما اختلفا فيه فتسويغ كل منهما المصير إلى قول الآخر متفق عليه بينهما فإنهما اتفقا على ذلك .
وأيضا فإذا كان الاقتداء بهما يوجب الائتمام بهما فطاعة كل منهما إذا كان إماما وهذا هو المقصود ، وأما بعد زوال إمامته فالاقتداء بهما أنهما إذا تنازعا رد ما تنازعا فيه إلى الله والرسول .
وأما قوله : " أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم " ، فهذا الحديث ضعيف ضعفه أهل [15] الحديث ؛ قال البزار : هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة [16] .
وأيضا فليس فيه لفظ ( بعدي ) والحجة هناك قوله ( بعدي ) .
وأيضا فليس فيه الأمر بالاقتداء بهم وهذا فيه الأمر بالاقتداء بهم .


