الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 361 ] فصل .

                  قال الرافضي [1] : " الثاني : ما رووه [2] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . والجواب : المنع من الرواية ومن دلالتها على الإمامة ؛ فإن [3] الاقتداء بالفقهاء لا يستلزم كونهم أئمة ، وأيضا فإن أبا بكر وعمر قد [4] اختلفا في كثير من الأحكام فلا يمكن الاقتداء بهما وأيضا فإنه معارض لما [5] رووه من قوله : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم مع إجماعهم على انتفاء إمامتهم " .

                  والجواب من وجوه :

                  أحدها : أن يقال : هذا الحديث بإجماع أهل العلم بالحديث أقوى من النص الذي يروونه في إمامة علي ؛ فإن هذا أمر معروف في كتب أهل الحديث المعتمدة . ورواه أبو داود في سننه ، وأحمد في مسنده والترمذي في جامعه [6] .

                  [ ص: 362 ] وأما النص على علي فليس في شيء من كتب أهل الحديث المعتمدة وأجمع أهل الحديث على بطلانه حتى قال أبو محمد بن حزم [7] : وما وجدنا قط رواية عن أحد في هذا النص المدعى إلا رواية واهية عن مجهول إلى مجهول [8] يكنى أبا الحمراء لا نعرف [9] من هو في الخلق .

                  فيمتنع أن يقدح في هذا الحديث مع تصحيح النص على علي .

                  وأما الدلالة فالحجة [10] في قوله : " باللذين من بعدي " أخبر أنهما من بعده ، وأمر بالاقتداء بهما فلو كانا ظالمين أو كافرين [11] في كونهما بعده لم يأمر بالاقتداء بهما فإنه لا يأمر بالاقتداء بالظالم ، فإن الظالم لا يكون قدوة يؤتم به بدليل قوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) [ سورة البقرة : 124 ] فدل على أن الظالم لا يؤتم به . والائتمام هو الاقتداء ؛ فلما أمر بالاقتداء بمن بعده والاقتداء هو الائتمام مع إخباره أنهما يكونان بعده دل على أنهما إمامان [ قد أمر بالائتمام بهما ] [12] بعده ، وهذا هو المطلوب .

                  وأما قوله : " اختلفا في كثير من الأحكام " فليس الأمر كذلك ، بل [ ص: 363 ] لا يكاد يعرف اختلاف أبي بكر وعمر إلا في الشيء اليسير . والغالب أن يكون عن أحدهما فيه روايتان كالجد مع الإخوة ؛ فإن عمر عنه فيه روايتان إحداهما كقول أبي بكر .

                  وأما اختلافهما في قسمة الفيء : هل يسوى فيه بين الناس ، أو يفضل ؟ فالتسوية جائزة بلا ريب ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم الفيء والغنائم فيسوى بين الغانمين ومستحقي الفيء .

                  والنزاع في جواز التفضيل ، وفيه للفقهاء قولان ، هما روايتان عن أحمد . والصحيح جوازه للمصلحة ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفضل أحيانا في قسمة الغنائم والفيء ، وكان يفضل السرية في البدأة : الربع بعد الخمس ، وفي الرجعة : الثلث بعد الخمس ؛ فما فعله الخليفتان فهو جائز ؛ مع أنه قد روى عن عمر أنه اختار في آخر عمره التسوية وقال لئن عشت إلى قابل لأجعل الناس بابا [13] واحدا " .

                  وروي عن عثمان التفضيل وعن علي التسوية ؛ ومثل هذا لا يسوغ فيه إنكار إلا أن يقال : فضل من لا يستحق التفضيل كما أنكر على عثمان في بعض قسمه ؛ وأما تفضيل عمر فما بلغنا أن أحدا ذمه فيه .

                  وأما تنازعهما في تولية خالد وعزله فكل منهما فعل ما كان أصلح ؛ فكان الأصلح لأبي بكر تولية خالد ؛ لأن أبا بكر ألين من عمر ، فينبغي لنائبه أن يكون أقوى من نائب عمر ، فكانت استنابة عمر لأبي عبيدة [ أصلح له ] [14] واستنابة أبي بكر لخالد أصلح له ، ونظائر هذا متعددة .

                  [ ص: 364 ] وأما الأحكام التي هي شرائع كلية فاختلافهما فيها : إما نادر وإما معدوم ، وإما لأحدهما فيه قولان .

                  وأيضا فيقال : النص يوجب الاقتداء بهما فيما اتفقا عليه وفيما اختلفا فيه فتسويغ كل منهما المصير إلى قول الآخر متفق عليه بينهما فإنهما اتفقا على ذلك .

                  وأيضا فإذا كان الاقتداء بهما يوجب الائتمام بهما فطاعة كل منهما إذا كان إماما وهذا هو المقصود ، وأما بعد زوال إمامته فالاقتداء بهما أنهما إذا تنازعا رد ما تنازعا فيه إلى الله والرسول .

                  وأما قوله : " أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم " ، فهذا الحديث ضعيف ضعفه أهل [15] الحديث ؛ قال البزار : هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة [16] .

                  وأيضا فليس فيه لفظ ( بعدي ) والحجة هناك قوله ( بعدي ) .

                  وأيضا فليس فيه الأمر بالاقتداء بهم وهذا فيه الأمر بالاقتداء بهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية