الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 428 ] فصل .

                  ومما يبين من القرآن فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال [1] التي يخذل فيها عامة الخلق إلا من نصره [2] الله : ( إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ) [ سورة التوبة : 40 ] أي : أخرجوه في هذه القلة من العدد لم يصحبه إلا الواحد ؛ فإن الواحد أقل ما يوجد فإذا لم يصحبه إلا واحد دل على أنه في غاية القلة .

                  ثم قال : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) [ سورة التوبة : 40 ] ؛ وهذا يدل على أن صاحبه كان مشفقا عليه محبا له ناصرا له حيث حزن ، وإنما يحزن الإنسان حال الخوف على من يحبه ، وأما عدوه فلا يحزن إذا انعقد سبب هلاكه .

                  فلو كان أبو بكر مبغضا [3] كما يقول المفترون لم يحزن ولم ينه عن الحزن ، بل كان يضمر الفرح والسرور ، ولا كان الرسول يقول له : " لا تحزن إن الله معنا " .

                  فإن قال المفتري : إنه خفي على الرسول حاله لما أظهر له الحزن ، وكان في الباطن مبغضا .

                  [ ص: 429 ] قيل له فقد قال : " إن الله معنا " ، فهذا إخبار بأن الله معهما [ جميعا ] بنصره [4] ، ولا يجوز للرسول أن يخبر بنصر الله لرسوله وللمؤمنين وأن الله [5] معهم ويجعل [6] ذلك في الباطن منافقا فإنه معصوم في خبره عن الله لا يقول عليه إلا الحق ؛ وإن جاز أن يخفى عليه حال بعض الناس فلا يعلم أنه منافق كما قال : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) [ سورة التوبة : 101 ] فلا يجوز أن يخبر عنهم بما يدل على إيمانهم .

                  ولهذا لما جاءه المخلفون عام تبوك فجعلوا يحلفون ويعتذرون ، وكان يقبل علانيتهم ، ويكل سرائرهم إلى الله ، لا يصدق أحدا منهم فلما جاء كعب وأخبره بحقيقة أمره [7] قال : " أما هذا فقد صدق " ، أو قال : " صدقكم " [8] .

                  وأيضا فإن سعد بن أبي وقاص لما [9] قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " أعطيت فلانا وفلانا ، وتركت فلانا وهو [10] مؤمن " قال : " أو مسلم " مرتين أو ثلاثا [11] فأنكر عليه إخباره بالإيمان ، ولم يعلم منه إلا ظاهر الإسلام .

                  [ ص: 430 ] فكيف يشهد لأبي بكر بأن الله معهما وهو لا يعلم ذلك ؟ والكلام بلا علم لا يجوز .

                  وأيضا فإن الله أخبر بهذا عن الرسول إخبار مقرر له ، لا إخبار منكر له فعلم أن قوله : " إن الله معنا " من الخبر الصدق الذي أمر الله به ورضيه لا مما [12] أنكره وعابه .

                  وأيضا فمعلوم أن أضعف الناس عقلا لا يخفى عليه حال من يصحبه في مثل هذا السفر الذي يعاديه فيه الملأ الذين هم بين أظهرهم [13] ، ويطلبون قتله ، وأولياؤه هناك لا يستطيعون نصره ؛ فكيف يصحب واحدا ممن يظهر له موالاته دون غيره ، وقد أظهر له هذا حزنه ، وهو مع ذلك عدو له في الباطن . والمصحوب يعتقد أنه وليه ، وهذا لا يفعله إلا أحمق الناس وأجهلهم .

                  فقبح الله من نسب رسوله الذي هو أكمل الخلق عقلا وعلما وخبرة إلى مثل هذه الجهالة والغباوة .

                  ولقد بلغني عن ملك المغول خدابنده [14] الذي صنف له هذا الرافضي [ ص: 431 ] كتابه هذا في الإمامة أن الرافضة لما صارت تقول له مثل هذا الكلام إن أبا بكر كان يبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان عدوه ، ويقولون مع هذا إنه صحبه في سفر الهجرة الذي هو أعظم الأسفار خوفا . قال كلمة تلزم عن قولهم الخبيث ، وقد برأ الله رسوله منها ، لكن ذكرها على من افترى الكذب الذي أوجب أن يقال في الرسول مثلها حيث قال : " كان قليل العقل " .

                  ولا ريب أن فعل ما قالته الرافضة فهو قليل العقل . وقد برأ الله رسوله وصديقه من كذبهم وتبين أن قولهم يستلزم القدح في الرسول .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية