الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل .

                  وأما قول الرافضي : " الآية تدل على نقصه ، لقوله تعالى : ( لا تحزن إن الله معنا ) [ سورة التوبة : 40 ] فإنه يدل على خوره ، وقلة صبره ، وعدم يقينه وعدم رضاه بمساواته للنبي صلى الله عليه وسلم وبقضاء الله وقدره " .

                  فالجواب : أولا : أن هذا يناقض قولكم : " إنه استصحبه حذرا منه لئلا يظهر أمره " فإنه إذا كان عدوه ، وكان مباطنا لعداه الذين يطلبونه ، كان ينبغي أن يفرح ويسر ويطمئن إذا جاء العدو ، وأيضا فالعدو قد جاءوا ومشوا فوق الغار فكان ينبغي أن ينذرهم به .

                  وأيضا فكان الذي يأتيه بأخبار قريش ابنه عبد الله ، فكان يمكنه أن يأمر ابنه أن يخبر بهم قريشا .

                  وأيضا فغلامه عامر بن فهيرة هو الذي كان معه رواحلهما فكان يمكنه أن يقول لغلامه : أخبرهم به .

                  فكلامهم في هذا يبطل قولهم : إنه كان منافقا ويثبت أنه كان مؤمنا به .

                  واعلم أنه ليس في المهاجرين منافق ، وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار ، لأن أحدا لم يهاجر إلا باختياره ، والكافر بمكة لم يكن يختار [ ص: 450 ] الهجرة ، ومفارقة وطنه وأهله لنصر عدوه ، وإنما يختارها الذين وصفهم الله تعالى بقوله : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) [ سورة الحشر : 8 ] .

                  وقوله : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) [ سورة الحج : 39 ، 40 ] .

                  وأبو بكر أفضل هؤلاء كلهم .

                  وإذا كان هذا الكلام يستلزم إيمانه فمعلوم أن الرسول لا يختار لمصاحبته في سفر هجرته الذي هو أعظم الأسفار خوفا ، وهو السفر الذي جعل مبدأ التاريخ لجلالة قدره في النفوس ولظهور أمره ، فإن التاريخ لا يكون إلا بأمر ظاهر معلوم لعامة الناس لا يستصحب الرسول فيه من يختص بصحبته إلا وهو من أعظم الناس طمأنينة إليه ووثوقا به .

                  ويكفي هذا في فضائل الصديق ، وتمييزه على [1] غيره ، وهذا من فضائل الصديق التي لم يشركه فيها غيره ، ومما يدل على أنه أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية