فصل .
وأما قول الرافضي : " الآية تدل على نقصه ، لقوله تعالى : ( لا تحزن إن الله معنا ) [ سورة التوبة : 40 ] فإنه يدل على خوره ، وقلة صبره ، وعدم يقينه وعدم رضاه بمساواته للنبي صلى الله عليه وسلم وبقضاء الله وقدره " .
فالجواب : أولا : أن هذا يناقض قولكم : " إنه استصحبه حذرا منه لئلا يظهر أمره " فإنه إذا كان عدوه ، وكان مباطنا لعداه الذين يطلبونه ، كان ينبغي أن يفرح ويسر ويطمئن إذا جاء العدو ، وأيضا فالعدو قد جاءوا ومشوا فوق الغار فكان ينبغي أن ينذرهم به .
وأيضا فكان الذي يأتيه بأخبار قريش ابنه عبد الله ، فكان يمكنه أن يأمر ابنه أن يخبر بهم قريشا .
وأيضا فغلامه عامر بن فهيرة هو الذي كان معه رواحلهما فكان يمكنه أن يقول لغلامه : أخبرهم به .
فكلامهم في هذا يبطل قولهم : إنه كان منافقا ويثبت أنه كان مؤمنا به .
واعلم أنه ليس في المهاجرين منافق ، وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار ، لأن أحدا لم يهاجر إلا باختياره ، والكافر بمكة لم يكن يختار [ ص: 450 ] الهجرة ، ومفارقة وطنه وأهله لنصر عدوه ، وإنما يختارها الذين وصفهم الله تعالى بقوله : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) [ سورة الحشر : 8 ] .
وقوله : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) [ سورة الحج : 39 ، 40 ] .
أفضل هؤلاء كلهم . وأبو بكر
وإذا كان هذا الكلام يستلزم إيمانه فمعلوم أن الرسول لا يختار لمصاحبته في سفر هجرته الذي هو أعظم الأسفار خوفا ، وهو السفر الذي جعل مبدأ التاريخ لجلالة قدره في النفوس ولظهور أمره ، فإن التاريخ لا يكون إلا بأمر ظاهر معلوم لعامة الناس . لا يستصحب الرسول فيه من يختص بصحبته إلا وهو من أعظم الناس طمأنينة إليه ووثوقا به
ويكفي هذا في فضائل ، وتمييزه على الصديق [1] غيره ، وهذا من فضائل التي لم يشركه فيها غيره ، ومما يدل على أنه أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده . الصديق