[ ص: 556 ] فصل
قال الرافضي [1] : وأما فخطأ ، لأن تقديمه في الصلاة لما أذن بالصلاة بلالا [2] ، أمرت أن يقدم عائشة أبا بكر [3] فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع التكبير ، فقال : من يصلي [4] بالناس فقالوا : فقال : أخرجوني فخرج بين أبو بكر علي فنحاه والعباس [5] عن القبلة وعزله عن الصلاة ، وتولى الصلاة " [6] .
والجواب : أن هذا من الكذب المعلوم عند جميع أهل العلم بالحديث ، ويقال له : أولا : من ذكر ما نقلته بإسناد يوثق [ به ] ؟ [7] وهل هذا [ ص: 557 ] إلا في كتب من نقله مرسلا من الرافضة ، الذين هم من أكذب الناس وأجهلهم بأحوال الرسول مثل المفيد بن النعمان ، وأمثالهما من الذين هم من أبعد الناس عن معرفة حال الرسول وأقواله وأعماله ؟ . والكراجكي
ويقال : ثانيا : هذا كلام جاهل يظن أن لم يصل بهم إلا صلاة واحدة ، وأهل العلم يعلمون أنه لم يزل يصلي بهم حتى مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإذنه واستخلافه له في الصلاة ، بعد أن راجعته أبا بكر عائشة في ذلك وصلى بهم أياما متعددة ، وكان قد استخلفه في الصلاة قبل ذلك ، لما ذهب إلى وحفصة بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف في غيبته على الصلاة ، في غير سفر في حال غيبته ، وفي مرضه [8] إلا ولكن أبا بكر صلى بالمسلمين مرة صلاة الفجر في السفر عام عبد الرحمن بن عوف تبوك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ذهب ليقضي حاجته فتأخر ، وقدم المسلمون ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عبد الرحمن بن عوف ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد توضأ ومسح على خفيه فأدرك معه المغيرة بن شعبة [9] ركعة ، وقضى ركعة ، وأعجبه ما فعلوه من صلاتهم [10] [ ص: 558 ] لما تأخر [11] ، فهذا إقرار منه على تقديم عبد الرحمن .
وكان إذا سافر عن المدينة استخلف من يستخلفه يصلي بالمسلمين ، كما استخلف تارة ، ابن أم مكتوم تارة في الصلاة ، واستخلف غيرهما تارة . وعليا
فأما في حال غيبته ومرضه [12] فلم يستخلف إلا لا أبا بكر ولا غيره عليا في الصلاة متواتر ثابت في الصحاح والسنن والمساند من غير وجه للصديق ، كما أخرج واستخلافه البخاري ومسلم وابن خزيمة وغيرهم من أهل الصحيح عن وابن حبان قال : أبي موسى الأشعري فليصل بالناس ، فقالت أبا بكر : يا رسول الله إن عائشة رجل رقيق متى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس ، فقال : " مري أبا بكر فليصل بالناس ، فإنكن صواحب أبا بكر يوسف " فصلى بهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، وذكر مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال : " مروا البخاري [13] فيه مراجعة للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات عائشة [14] .
[ ص: 559 ] وهذا الذي فيه من أن صلى بهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه إلى أن مات مما اتفق عليه العلماء بالنقل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرض أياما متعددة حتى قبضه الله إليه ، وفي تلك الأيام لم يكن يصلي بهم إلا أبا بكر ، وحجرته إلى جانب المسجد ، فيمتنع والحال هذه أن يكون قد أمر غيره بالصلاة ، فصلى أبو بكر بغير أمره تلك المدة ، ولا مراجعة أحد في ذلك . أبو بكر
والعباس وغيرهما كانوا يدخلون عليه بيته ، وقد خرج بينهما في بعض تلك الأيام ، وقد روي أن وعلي ، وتوفي بلا خلاف يوم الاثنين من الأسبوع الثاني ، فكان مدة مرضه فيما قيل : اثني عشر يوما . ابتداء مرضه كان يوم الخميس
وفي الصحيح عن عبيد الله بن عبد الله قال : فقلت لها ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : بلى ، ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " أصلى الناس عائشة [15] ؟ " قلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله قال : " ضعوا لي ماء في المخضب " ففعلنا فاغتسل ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال : " أصلى الناس ؟ " فقلنا : لا ، وهم ينتظرونك يا رسول الله ، قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يصلي بالناس ، فأتاه الرسول ، فقال : إن رسول الله صلى الله [ ص: 560 ] عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس ، فقال أبي بكر - وكان رجلا رقيقا - يا أبو بكر صل بالناس ، فقال عمر : أنت أحق بذلك ، قالت : فصلى بهم عمر رضي الله عنه تلك الأيام . أبو بكر
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين ، أحدهما لصلاة الظهر ، العباس يصلي بالناس ، فلما رآه وأبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر وقال لهما : " أجلساني إلى جنبه " أبو بكر [16] فأجلساه إلى جنب ، فكان أبي بكر يصلي وهو قائم أبو بكر [17] بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس يصلون بصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ، قال أبي بكر عبيد الله : فدخلت على فقلت : ألا أعرض عليك ما حدثتني [ به ] ابن عباس [18] عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هات ، فعرضت عليه حديثها ، فما أنكر منه شيئا غير أنه قال : أسمت لك الرجل الذي كان مع عائشة ؟ قلت : لا ؟ قال : هو العباس علي بن أبي طالب دخلت على [19] .
[ ص: 561 ] فهذا الحديث الذي اتفقت فيه عائشة كلاهما يخبران بمرض النبي صلى الله عليه وسلم ، واستخلاف \ وابن عباس في الصلاة ، وأنه صلى بالناس قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم أياما ، وأنه لما خرج لصلاة الظهر أمره أن لا يتأخر ، بل يقيم مكانه ، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر أبي بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم . وأبو بكر
والعلماء كلهم متفقون على تصديق هذا الحديث وتلقيه بالقبول ، وتفقهوا في مسائل فيه منها قائم هو والناس هل كان من خصائصه ؟ وأبو بكر أو كان ذلك ناسخا لما استفاض عنه من قوله " وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " ؟ ، أو يجمع بين الأمرين ، ويحمل ذلك على ما إذا ابتدأ الصلاة قاعدا ، وهذا على ما إذا حصل القعود في أثنائها : على ثلاثة أقوال للعلماء ، والأول قول صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا ، مالك ، والثاني : قول ومحمد بن الحسن أبي حنيفة والثالث : قول والشافعي أحمد وحماد بن زيد وغيرهما ممن يأمر المؤتمين والأوزاعي [20] بالقعود إذا قعد الإمام لمرض وتكلم العلماء فيما إذا استخلف الإمام الراتب خليفة ، ثم حضر الإمام هل يتم الصلاة بهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه ، وفعله مرة أخرى [ ص: 562 ] سنذكرها ، أم ذلك من خصائصه ؟ على قولين : هما وجهان في مذهب . أحمد
وقد صدق ابن عباس فيما أخبرت به مع أنه كان بينهما بعض الشيء بسبب ما كان بينهما وبين عائشة ; ولذلك لم تسمه علي يميل إلى وابن عباس ولا يتهم عليه ، ومع هذا فقط صدقها في جميع ما قالت ، وسمى الرجل الآخر علي فلم يكذبها ، ولم يخطئها في شيء مما روته . عليا
وفي الصحيحين قالت : لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ، وإلا إني كنت أرى أنه عائشة [21] لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر ، قال عن : " ورواه البخاري ابن عمر وأبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس [22] " .
وفي الصحيحين عنها يؤذنه بالصلاة ، فقال : " مروا بلال فليصل بالناس " قالت : فقلت : يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقوم مقامك لا [ ص: 563 ] يسمع [ الناس ] أبا بكر [23] ، فلو أمرت فقال : " مروا عمر فليصل بالناس " قالت : فقلت أبا بكر : قولي له إن لحفصة رجل أسيف ، وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت أبا بكر فقالت له : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنكن عمر [24] لأنتن صواحب يوسف ، مروا فليصل بالناس " قالت : فأمروا أبا بكر أن يصلي بالناس أبا بكر قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء [25] ، وفي رواية البخاري [26] : ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مه إنكن لأنتن صواحب حفصة [27] يوسف ، مروا فليصل بالناس " فقالت أبا بكر حفصة : ما كنت لأصيب منك خيرا لعائشة " ففعلت [28] .
ففي هذا أنها راجعته وأمرت بمراجعته ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لامهن على هذه المراودة ، وجعلها من المراودة على الباطل كمراودة صواحب حفصة يوسف ليوسف .
[ ص: 564 ] فدل هذا على أن تقديم غير في الصلاة من الباطل الذي يذم من يراود عليه كما ذم النسوة على مراودة يوسف ، هذا مع أن أبي بكر قد قال أبا بكر يصلي فلم يتقدم لعمر ، وقال : أنت أحق بذلك ، فكان في هذا اعتراف عمر له أنه أحق بذلك منه ، كما اعترف له بأنه أحق بالخلافة منه ومن سائر الصحابة ، وأنه أفضلهم . عمر
كما في عن البخاري لما ذكرت خطبة عائشة أبي بكر بالمدينة ، وقد تقدم ذلك قالت : واجتمعت الأنصار إلى في سعد بن عبادة سقيفة بني ساعدة ، فقالوا : منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر رضي الله عنهما وعمر ، فذهب وأبو عبيدة بن الجراح [29] يتكلم ، فأسكته عمر وكان أبو بكر يقول : والله ما أردت بذلك إلا أني هيأت كلاما أعجبني خفت أن لا يبلغه عمر ، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس ، فقال في كلامه : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، فقال أبو بكر حباب [30] بن المنذر : لا نفعل ، منا أمير ومنكم أمير ، فقال : ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا ، وأعرقهم أبو بكر [31] أحسابا ، فبايعوا أو عمر فقال أبا عبيدة بن الجراح : بل نبايعك أنت ، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل منهم : قتلتم عمر ، فقال سعد بن عبادة : قتله الله عمر [32] .
[ ص: 565 ] ففي هذا الخبر إخبار بين عمر للمهاجرين والأنصار أن سيد المسلمين وخيرهم وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك علة مبايعته فقال : بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ليبين بذلك أن المأمور به تولية الأفضل ، وأنت أفضلنا أبا بكر [33] فنبايعك .
كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر " سئل : من أحب الرجال إليك ؟ قال : " [34] .
ولما قال : " خليلا أبا بكر " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت [35] ، وهذا مما يقطع أهل العلم بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، وإن كان من ليس له مثل علمهم لم يسمعه ، أو سمعه ولا يعرف أصدق هو أم كذب ؟ فلكل علم رجال يقومون به ، وللحروب رجال يعرفون بها ، وللدواوين حساب وكتاب .
[ ص: 566 ] وهؤلاء الثلاثة هم الذين عنتهم فيما رواه عائشة عن [ ابن ] مسلم [36] أبي مليكة [37] ، قال : سمعت ، وسئلت : من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف ؟ قالت : عائشة فقيل لها : من بعد أبو بكر ؟ قالت : أبي بكر قيل لها : من بعد عمر ، قالت : عمر ، ثم انتهت إلى هذا أبو عبيدة بن الجراح [38] .
والمقصود هنا أن استخلافه في الصلاة كان أياما متعددة [39] ، كما اتفق عليه رواية الصحابة ، ورواه أهل الصحيح من حديث أبي موسى وابن عباس وعائشة وابن عمر ، ورواه وأنس من حديث البخاري وفيه قوله : " ابن عمر فليصل بالناس أبا بكر " ومراجعة مروا له في هذه القصة ، وذكر المراجعة مرتين ، وفيه قوله : " عائشة يوسف " ، ولم يزل يصلي بهم باتفاق الناس حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم يصلون خلفه آخر صلاة في حياته ، وهي صلاة الفجر يوم الاثنين ، وسر بذلك وأعجبه مروه فليصل بالناس ، فإنكن صواحب [40] .
[ ص: 567 ] كما في الصحيحين أن أنس كان يصلي بهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين ، وهم صفوف في الصلاة كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ، فنظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ، ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا ، قال أبا بكر [41] : فبهتنا ونحن في الصلاة من الفرح بخروج النبي صلى الله عليه وسلم ، ونكص على عقبيه ليصل الصف ، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج للصلاة ، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن أتموا صلاتكم ، قال : ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر ، قال : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك . أبو بكر
وفي بعض طرق : قال : فهم الناس أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر أن ذلك كان في صلاة [ ص: 568 ] الفجر البخاري عن [42] .
وفي صحيح عن مسلم قال : آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : كشف الستارة يوم الاثنين ، وذكر القصة أنس [43] .
وفي الصحيحين عن قال : أنس يتقدم ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب أبو بكر [44] ، فرفعه فلما وضح لنا وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرا قط أعجب إلينا من وجهه حين وضح لنا [45] قال : فأومأ نبي الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أن يتقدم ، وأرخى نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجاب ، فلم يقدر عليه حتى مات أبي بكر لم يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، فأقيمت الصلاة فذهب [46] .
فقد أخبر أن هذه الخرجة الثانية إلى باب الحجرة كانت بعد احتباسه ثلاثا ، وفي تلك الثلاث كان يصلي بهم أنس ، كما كان يصلي بهم قبل خرجته الأولى التي خرج فيها بين أبو بكر علي ، وتلك كان [ ص: 569 ] يصلي قبلها أياما ، فكل هذا ثابت في الصحيح كأنك تراه . والعباس
وفي حديث أنه أومأ إلى أنس أن يتقدم فيصلي بهم هذه الصلاة الآخرة التي هي آخر صلاة صلاها المسلمون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهنا باشره بالإشارة إليه إما في الصلاة ، وإما قبلها . أبي بكر
وفي أول الأمر أرسل إليه رسلا فأمروه بذلك ، ولم تكن هي المبلغة لأمره ولا قالت لأبيها : إنه أمره كما زعم هؤلاء عائشة الرافضة المفترون .
فقول هؤلاء الكذابين : إن لما أذن أمرته بلالا أن يقدم عائشة ، كذب واضح لم تأمره أبا بكر أن يقدم عائشة ، ولم تأمره بشيء ولا أخذ أبا بكر ذلك عنها ، بل هو الذي آذنه بالصلاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل من حضره : بلال وغيره : " لبلال فليصل بالناس أبا بكر " فلم يخص مروا بالخطاب ، ولا سمع ذلك عائشة منها . بلال
وقوله : " فلما أفاق سمع التكبير ، فقال : من يصلي بالناس ؟ فقالوا : ، فقال : أخرجوني " . أبو بكر
فهو كذب ظاهر ، فإنه قد ثبت بالنصوص [47] المستفيضة التي اتفق أهل العلم بالحديث على صحتها أن صلى بهم أياما قبل خروجه ، كما صلى بهم أياما بعد خروجه ، وأنه لم يصل بهم في مرضه غيره . أبا بكر
ثم يقال : من المعلوم المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم مرض [ ص: 570 ] أياما متعددة عجز فيها عن الصلاة ( * بالناس أياما ، فمن الذي كان يصلي بهم تلك الأيام غير ؟ ولم ينقل أحد قط : لا صادق * ) أبي بكر [48] ولا كاذب : أنه صلى بهم غير ، لا أبي بكر ولا عمر ولا غيرهما ، وقد صلوا جماعة ، فعلم أن المصلي بهم كان علي . أبا بكر
ومن الممتنع أن يكون الرسول لم يعلم ذلك ، ولم يستأذنه المسلمون فيه ، فإن مثل هذا ممتنع عادة وشرعا ، فعلم أن ذلك كان بإذنه .
كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ، وثبت أنه روجع في ذلك ، وقيل له : لو أمرت غير ؟ فلام من راجعه ، وجعل ذلك من المنكر الذي أنكره لعلمه بأن المستحق لذلك هو أبي بكر لا غيره . أبو بكر
كما في الصحيحين عن قالت : عائشة ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ، أو يقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا لأبي بكر أبا بكر " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا [49] .
وفي عن البخاري قال : القاسم بن محمد : وارأساه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ذاك لو كان وأنا حي ، فأستغفر لك وأدعو لك " فقالت عائشة : واثكلتاه ، والله إني لأظنك تحب موتي ، فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وارأساه لقد هممت أن أرسل إلى عائشة وابنه وأعهد [ ص: 571 ] أن يقول القائلون ، أو يتمنى المتمنون ، ويدفع الله ويأبى المؤمنون أبي بكر " قالت [50] .
وهذا الحديث الصحيح فيه همه بأن يكتب كتابا بالخلافة ; لئلا يقول قائل : أنا لأبي بكر [51] أولى ، ثم قال : " " فلما علم الرسول أن الله تعالى لا يختار إلا يأبى الله ذلك والمؤمنون ، والمؤمنون لا يختارون إلا إياه اكتفى بذلك عن الكتاب ، فأبعد الله من لا يختار ما اختاره الله ورسوله والمؤمنون . أبا بكر
وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مرتين في مرضه ، ( * لعائشة : " ادعي لي أباك وأخاك " ، وقال قبل ذلك لما اشتكت قال : " عائشة كتابا لأبي بكر " لقد هممت أن أكتب [52] .
ثم إنه عزم يوم الخميس في مرضه * ) [53] على الكتاب مرة أخرى ، كما في الصحيحين عن أنه قال : " ابن عباس اليهود من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم " وسكت عن الثالثة ، أو قال : فنسيتها " يوم الخميس وما يوم الخميس ، اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم الوجع ، فقال : " ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما شأنه هجر ؟ استفهموه ، فذهبوا يردون عليه ، فقال : " ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه " فأمرهم بثلاث ، فقال : " أخرجوا [54] .
[ ص: 572 ] وفي رواية في الصحيحين قال : " ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده عمر " فقال بعضهم - وفي رواية وفي البيت رجال فيهم - : عمر ، ومنهم من يقول عمر [55] غير ذلك ، فلما أكثروا اللغط قال : " قوموا عني " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبكم كتاب الله ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم ، ومنهم من يقول : ما قال عبيد الله الراوي [56] عن قال الزهري : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه " ابن عباس [57] ، فحصل لهم شك : هل قوله : " [58] بعده " هو مما أوجبه المرض ، أو هو الحق الذي يجب اتباعه ؟ وإذا حصل الشك لهم لم يحصل به المقصود ، فأمسك عنه وكان لرأفته أكتب لكم كتابا لن تضلوا [59] بالأمة يحب أن يرفع الخلاف بينها ، ويدعو الله بذلك ، ولكن قدر الله قد مضى بأنه لا بد من الخلاف .
كما في الصحيح عنه أنه قال : " [60] فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " سألت ربي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة : سألته أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم [ ص: 573 ] فيجتاحهم [61] .
ولهذا قال : " إن الرزية كل الرزية ما حال بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الكتاب " ، فإن ذلك رزية في حق من شك في خلافة ابن عباس ، وقدح فيها إذ لو كان الكتاب الذي هم به أمضاه لكانت شبهة هذا المرتاب تزول بذلك ، ويقول : خلافته ثبتت الصديق [62] بالنص الصريح الجلي ، فلما لم يوجد هذا كان رزية في حقه من غير تفريط من الله ورسوله ، بل قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين ، وبين الأدلة الكثيرة الدالة على أن أحق بالخلافة من غيره الصديق ، وأنه المقدم .
وليست هذه رزية في حق أهل التقوى الذين يهتدون بالقرآن ، وإنما كانت رزية في حق من في قلبه مرض ، كما كان نسخ ما نسخه الله ، وإنزال القرآن ، وانهزام المسلمين يوم أحد ، وغير ذلك من مصائب الدنيا رزية في حق من في قلبه مرض .
قال تعالى : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) [ سورة آل عمران : 7 ] .
وإن كانت هذه الأمور في حق من هداه الله مما يزيدهم الله به علما وإيمانا .
[ ص: 574 ] وهذا كوجود الشياطين من الجن والإنس يرفع الله به درجات أهل [63] الإيمان بمخالفتهم ومجاهدتهم مع ما في وجودهم من الفتنة لمن أضلوه وأغووه .
وهذا كقوله تعالى : ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) [ سورة المدثر : 31 ] .
وقوله : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) [ سورة البقرة : 143 ] .
وقول موسى : ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ) [ سورة الأعراف : 155 ] .
وقوله : ( إنا مرسلو الناقة فتنة لهم ) [ سورة القمر : 27 ] .
وقوله : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ) [ سورة الحج : 52 - 54 ] .