الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
106 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر، الخوارج [ ص: 335 ] .

قال: حدثنيه إسماعيل بن جعفر، ويزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، قال: جئت أبا سعيد الخدري، فقلت: هل سمعت رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] يذكر الخوارج؟

فقال: سمعته يذكر قوما يتفقهون في الدين يحقر أحدكم صلاته عند صلاته، وصومه عند صومه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأخذ سهمه، فنظر في نصله، فلم ير شيئا، ثم نظر في رصافه فلم ير شيئا، ثم نظر في القذذ، فتمارى: أيرى شيئا، أم لا"؟
 
[ ص: 336 ] قال الأصمعي، وغيره؛ قوله: الرمية: هي الطريدة التي يرميها الصائد، وهي كل دابة مرمية.

وقوله: نظر في كذا وكذا، فلم ير شيئا: يعني أنه أنفذ سهمه منها حتى خرج وندر، فلم يعلق به من دمها شيء من سرعته، فنظر إلى النصل، فلم ير فيه دما، ثم نظر إلى الرصاف، وهي العقب التي فوق الرعظ، والرعظ: مدخل النصل في السهم فلم ير دما.

وواحدة الرصاف رصفة.

والقذذ: ريش السهم كل واحدة منها قذة.

ومنه الحديث الآخر:

"هذه الأمة أشبه الأمم ببني إسرائيل يتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة"  يعني كما تقدر كل واحدة منهن على صاحبتها.

فتأويل الحديث المرفوع: أن الخوارج يمرقون من الدين مروق ذلك السهم من الرمية.

يعني أنه دخل فيها، ثم خرج منها لم يعلق [به] منها شيء [ ص: 337 ] .

فكذلك دخول هؤلاء في الإسلام، ثم خروجهم منه، لم يتمسكوا منه بشيء.

[قال] : وفي حديث آخر قال: حدثنيه محمد بن أبي عدي، عن سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين قال:

نبئت عن أبي سعيد الخدري، قال:

قيل: يا رسول الله! ألهم آية أو علامة يعرفون بها؟

قال: "نعم، التسبيد فيهم فاش".
 


قال أبو عبيد: فسألت "أبا عبيدة" عن التسبيد؟

فقال: هو ترك التدهن، وغسل الرأس.

وقال غيره: إنما هو الحلق، واستئصال الشعر.

قال أبو عبيد: وقد يكون الأمران جميعا، قال "النابغة" [الذبياني] " في قصر الشعر، يذكر فرخ القطاة حين حمم ريشه [ ص: 338 ] :


تسقي أزيغب ترويه مجاجتها في حاجب العين من تسبيده زبب

يعني بالتسبيد: طلوع الزغب.

و [قد] روي في الحديث مما يثبت قول "أبي عبيدة" حديث [عن] "ابن عباس"

قال: حدثنيه يحيى بن سعد، و "حجاج" كلاهما عن "ابن جريج" عن محمد بن عباد بن جعفر، قال:

"رأيت" ابن عباس" قدم "مكة" مسبدا رأسه فأتى الحجر، فقبله، ثم سجد عليه".

قال أبو عبيد: فالتسبيد ها هنا ترك التدهن والغسل.

وبعضهم يقول: التسميد - بالميم - ومعناهما واحد [ ص: 339 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية