الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              باب: أخفى .

                              حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن عبد الرحمن، عن سعيد، عن النبي صلى الله عليه: "خير الذكر الخفي"   .

                              حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه: " أعددت لعبادي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، اقرأوا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين   " .

                              حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ابن وهب، عن قباث بن رزين، عن علي بن رباح: "السنة أن تقطع اليد المستخفية، ولا تقطع اليد المستعلنة" قوله: "خير الذكر الخفي"  ذهب قوم إلى أن الذكر: الدعاء، [ ص: 846 ] وقالوا: خيره ما أخفاه الرجل، والذي عندي أنه الشهرة، وانتشار خبر الرجل، فقال: خيره ما كان خفيا ليس بظاهر، لأن سعدا أجاب ابنه على نحو ما أراده عليه، ودعاه إليه من الظهور وطلب الخلافة، فحدثه بما سمع قوله: "ما أخفي لهم" هذا من الغيب والستر .

                              حدثنا محمد بن منهال، عن يزيد، عن أبي رجاء، عن الحسن: " أخفى لهم بالخفية خفية، وبالعلانية علانية قال الله تعالى: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم " فلم يختلف القراء والمفسرون أن ذلك ما ستره الله لهم .

                              حدثنا هارون، حدثنا ابن وهب، عن أبي صخر، عن محمد بن كعب: "أخفوا لله أعمالا وأخفى لهم ثوابا، فلو قدموا عليه أقر تلك الأعين" .

                              [ ص: 847 ] حدثنا يحيى بن خلف، حدثنا معتمر، عن الحكم بن أبان، عن الغطريف، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: قوله: ما أخفي لهم قال: "العبد يعمل سرا أسره إلى الله فأسر الله له قرة عين يوم القيامة" وقال تعالى: فإنه يعلم السر وأخفى فأجمع المفسرون أن السر: ما أسررته في نفسك، وأخفى من ذلك: ما لم تحدث به نفسك وقالوا أقوالا كلها ترجع إلى الكتمان لا الإظهار وكذلك بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل يعني ما يسترون وقال: "ويعلم ما يخفون وما يعلنون" وقال إبراهيم عليه السلام: ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ومثل هذا كثير في القرآن، والعربية، والشعر وقال تميم بن أبي فيما أنشدنا عمرو، عن أبيه:

                              [ ص: 848 ]

                              لقد طال ما أخفيت حبك في الحشا وفي القلب حتى كاد في القلب يجرح     قديما ولم يعلم بذلك عالم
                              وإن كان موموقا يود وينصح



                              قوله: "تقطع اليد المستخفية"  هذا ليس فيه اختلاف أنه من الاستخفاء: الاستتار والتغيب، كما قال الله تعالى: يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله حدثنا سلمة، عن الفراء قال: استخفيت منك، ولا تقل: اختفيت أي: استترت، وأنشدنا مصعب:


                              غلا التمر واستخفى جبير وفرخت     عصافير في راءوقة المتثلم



                              وقال آخر:


                              وإنكما يا ابني جناب وجدتما     كمن دب يستخفي وفي الحلق جلجل



                              وأظنهم سموا الجن الخافي لاستتارهم .

                              [ ص: 849 ] أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: الخافي: الجن والجميع الخوافي والخوافي من السعف ما دون القبلة، وأهل المدينة يسمونها العواهن، والخوافي ما دون ريشات العشر التي من مقدم الجناح .

                              حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمر، عن عبد الله بن أبي عبيدة، عن جعفر بن عمرو بن أمية: جاء رجل إلى أبي سفيان فقال: أنا أغتال محمدا صلى الله عليه، أنا دليل خريت، ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأسوره ثم آخذ في عير عدوا " قال إبراهيم: والعير: الجبل أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي قال: الخوافي: السعفات اللواتي يلين القبلة عند أهل نجد، وهي العواهن عند أهل الحجاز وخوافي الريش قوادمه، الواحد خافية وقادمة  قال الشاعر:

                              خوافي ريش بز عنهن منكب .

                              [ ص: 850 ] والخفية: غيضة ملتفة يتخذ فيها الأسد عريسته ويقال: بل هي موضع معروف من مسابع الأسد، وكذلك شرى قال:


                              أسود شرى لاقت أسود خفية     تساقين حتى كلهن حوارد



                              وقال الأشهب بن رميلة:


                              أسود كرا لاقت أسود خفية     تساقوا على حرد دماء الأساود



                              وعريسة الأسد: موضعه الذي يألفه ويأوي إليه قال:


                              يا طيئ السهل والأجبال موعدكم     كمبتغي الصيد في عريسة الأسد



                              والخفية: بئر كانت قديمة فاندفنت ثم حفرت والجميع خفايا والخفيات وخفت صوته من الجوع، وخفت الرجل: إذا مات وانقطع كلامه، وخافت الرجل بقراءته، وزرع خافت: لم يبلغ طوله والرجل يخافت المضغ، والإبل تخافت المضغ للجرية وأنشدنا أبو نصر: .

                              [ ص: 851 ]

                              يخافتن بعض المضغ من خيفة الردى     ويصغين للسمع انتصات القناقن



                              المعنى: أنه ذكر الأراوي أنهن يخافتن بعض مضغهن، أي يكتمن خيفة الردى: الهلاك، أن يسمع ذلك الصائد فيصيدهن ويصغين بأسماعهن للحس: يسمعنه وينصبن رءوسهن لذلك كما يفعل القناقن وهو المهندس إذا استمع ليعلم موضع الماء ليستخرجه وجميع القناقن قناقن .

                              [ ص: 852 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية