الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              الحديث الثامن .

                              باب: فتنة .

                              حدثنا محمد بن الصباح، أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، قال: " أشرف النبي صلى الله عليه على أطم من آطام المدينة، فقال: "إني لأرى الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر" .

                              حدثنا هوذة، حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن أسامة، عن النبي صلى الله عليه: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" .

                              حدثنا عبيد الله ابن عائشة، حدثنا عبد الله بن حسان، عن جدتيه، عن قيلة بنت مخرمة، عن النبي صلى الله عليه: "المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتان" [ ص: 931 ] قوله: "أرى الفتن كمواقع القطر" ، واحدتها فتنة، ولها وجوه:  الأول منها: الشرك، فذلك قوله تعالى في سورة البقرة: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة .

                              حدثنا شجاع، حدثنا هشيم، حدثنا يونس، عن الحسن، " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة يعني: شرك " .

                              حدثنا شجاع، عن حجاج، عن ابن جريج، عن ابن كثير، عن مجاهد: والفتنة أكبر من القتل ، قال:"الشرك".

                              حدثنا يوسف بن حماد، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة: " لقد ابتغوا الفتنة من قبل ، يعني الشرك" والوجه الثاني من الفتنة: أنها الضلالة، وذلك قوله في آل عمران: ابتغاء الفتنة .

                              حدثنا سعيد بن سليمان، عن عباد، عن سفيان بن حسين: سمعت الحسن يقول: " ابتغاء الفتنة : قال: الضلالة " [ ص: 932 ] والوجه الثالث: الفتنة: النفاق، وذلك قوله في الحديد .

                              حدثنا إبراهيم بن محمد، عن روح، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فتنتم أنفسكم ، قال: "النفاق، ويقال في هذه: كفرتم" والوجه الرابع: الفتنة: البلاء .

                              عن أبي هاشم، عن مجاهد: " وهم لا يفتنون ، يبتلون، ولقد فتنا ، ابتلينا ".

                              حدثنا إبراهيم بن محمد، عن روح، عن عثمان بن غياث، عن عكرمة: " وهم لا يفتنون : يبتلون" .

                              حدثنا عفان، حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن الحسن: ولقد فتنا "ابتلينا".

                              حدثنا عبيد الله، عن أبي عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولقد فتنا ، ابتلينا " [ ص: 933 ] ومنها في طه .

                              حدثنا عبيد الله، عن عبد الله، عن حنيف بن أبي عمرة، عن سعيد، عن ابن عباس: " وفتناك فتونا ، ابتليناك بلاء بعد بلاء".

                              حدثنا الحسن بن الصباح، عن حسين بن محمد، عن سنان، عن قتادة: وفتناك فتونا "ابتليناك بلاء".

                              أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: " وفتناك : ابتليناك" حدثنا سلمة، عن الفراء: "ابتليناك بغم القتل" وفي هذا الحرف تفسير آخر .

                              حدثني عبيد الله، عن أبي عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وفتناك فتونا ، أخلصناك إخلاصا".

                              حدثنا علي بن مسلم، حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير: وفتناك فتونا "أخلصناك إخلاصا" ومثلها في براءة .

                              حدثنا أبو موسى الهروي، عن عياش، عن ابن [ ص: 934 ] أرقم، عن الحسن: " أولا يرون أنهم يفتنون ، قال: بالجهاد، والنفقات ".

                              حدثنا ابن زنجويه، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن: " يفتنون : يبتلون بالغزو في كل عام مرة، أو مرتين" ومنها في الدخان .

                              حدثنا أحمد بن نيزك، عن الخفاف، عن سعيد، عن قتادة: ولقد فتنا : "ابتلينا" والوجه الخامس من الفتنة: هو عذاب الناس، وذلك قوله .

                              حدثنا محمد بن علي، عن أبي معاذ، عن عبيد، عن الضحاك: " فإذا أوذي في الله أصابه بلاء من المشركين رجعوا إلى الكفر مخافة ممن يؤذيهم".

                              أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: " جعل فتنة الناس أذى الناس" [ ص: 935 ] وفي النحل مثلها: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ، يقول: عذبوا في النار، والوجه السادس: الفتنة: الحرق بالنار فذلك قوله .

                              حدثنا أبو غسان، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن أبزى، عن علي: إن الذين فتنوا المؤمنين "حرقوا" .

                              حدثنا نصر بن علي، حدثنا يزيد، عن يونس، عن الحسن: " فتنوا المؤمنين ، عذبوا".

                              حدثنا إبراهيم بن محمد، عن روح، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، "فتنوا: عذبوا".

                              أخبرني أبو عمر، عن الكسائي: فتنوا المؤمنين "حرقوهم بالنار" ومثلها في الذاريات .

                              حدثنا عثمان، عن جرير، عن منصور، عن مجاهد: " يوم هم على النار يفتنون يحرقون".

                              [ ص: 936 ] حدثنا عبيد الله، حدثنا حماد، حدثنا عمرو بن مالك، سمعت أبا الجوزاء في قوله: " يفتنون ، يعذبون".

                              حدثنا عبيد الله، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن حصين، عن عكرمة: يفتنون "يحرقون".

                              حدثنا محمد بن علي، عن أبي معاذ، عن عبيد، عن الضحاك: " يفتنون ، قال: "يطبخون كما يفتن الذهب بالنار" .

                              حدثنا نصر، عن يزيد، عن يونس، عن الحسن: " يفتنون : يعذبون".

                              حدثنا نصر، عن يزيد، عن يونس، عن الحسن: يفتنون "يعذبون".

                              حدثنا علي، عن مبارك، عن الحسن: " يفتنون : يعذبون".

                              حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا ابن مهدي، عن قرة: سمعت الحسن " يفتنون : يقررون بذنوبهم".

                              حدثنا عبيد الله، حدثنا حماد، عن عمرو بن مالك: سمعت ذوقوا فتنتكم "عذابكم".

                              [ ص: 937 ] حدثنا إبراهيم بن محمد، عن أبي عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ذوقوا فتنتكم ، حريقكم".

                              أخبرنا سلمة، عن الفراء: " ذوقوا فتنتكم : عذابكم" والوجه السابع: الصد، والاستنزال، فذلك قوله في بني إسرائيل: وإن كادوا ليفتنونك .

                              حدثنا أبو الربيع، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: "كان رسول الله صلى الله عليه يستلم الحجر، فقالوا: لا ندعك عن تسليم آلهتنا، فقال: "ما علي لو فعلت، والله يعلم مني خلافه، فأنزل الله ذلك" ومثلها في المائدة .

                              أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: " واحذرهم أن يفتنوك ، يقول: يضلوك يستنزلوك" والوجه الثامن: الفتنة الضلالة، وذلك قوله في الصافات.

                              حدثنا عبيد الله، حدثنا محبوب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: " ما أنتم عليه بفاتنين ، يقول: بمضلين".

                              [ ص: 938 ] حدثنا شجاع، حدثنا هشيم، عن جويير، عن الضحاك: بفاتنين "بمضلين".

                              أخبرنا سلمة، عن الفراء، " بفاتنين ، وأهل نجد يقولون بمفتنين، تقول: أفتنه، وأهل الحجاز يقولون: فتنه، وبفاتنين: بمضلين إلا من قدر له أن يصلى الجحيم في علم الله" ومثلها في المائدة: ومن يرد الله فتنته ، أي ضلالته والوجه التاسع: الفتنة: المعذرة، فذلك قوله في الأنعام .

                              حدثنا أبو بكر، عن غندر، عن شعبة، عن قتادة: " ثم لم تكن فتنتهم ، قال: معذرتهم" والوجه العاشر: الفتنة: الافتتان، والإعجاب .

                              حدثنا موسى، عن حماد، عن عمران، عن أبي مجلز: لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين " قالوا: ربنا لا تظهرهم علينا فيرون أنهم خير منا".

                              [ ص: 939 ] حدثنا أبو بكر، عن حسين بن محمد، عن جرير، عن أيوب، عن مجاهد: " لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين سأل ربه أن لا يظهر علينا عدونا، فيحسبون أنهم أولى بالعدل فيفتنون بذلك".

                              حدثنا عبيد الله، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني أبي، عن أبي الضحى: " لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، لا يظهروا علينا، فيزيدهم طغيانا".

                              حدثنا شجاع، حدثنا ابن علية، عن عمران، عن عكرمة: "لا تظهرهم علينا، فيرون أنهم خير منا" وفي هذا الحرف وجه آخر .

                              أخبرنا أبو بكر، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين : لا تسلطهم علينا، فيفتنونا".

                              حدثنا أبو بكر، عن شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين لا تعذبنا بأذى آل فرعون، لا تعذبنا بأذى كمن عندك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على الحق ما عذبوا، ولا سلطنا عليهم فيفتنون بنا" [ ص: 940 ] والوجه الحادي عشر: الفتنة: القتل فذلك قوله: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، وفي يونس: على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ، يقتلهم وقوله: "أرى الفتن خلال بيوتكم" ، تكون الحروب، والقتل، والاختلاف الذي يكون في الناس، ويكون ما يبتلون به من زينة الدنيا، وشهواتها، فيفتنون بذلك عن الآخرة وقوله: "ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء" ، يقول: أخاف أن تعجبوا بهن، فتشغلوا بهن عن الآخرة، يقال: فتن بالمرأة، وأفتن وأهل الحجاز يقولون فتنه، وأهل نجد يقولون فتنه، وقال الشاعر باللغتين:


                              لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت سعيدا، فأمسى قد قلى كل مسلم



                              ومثله سقى وأسقى، فجمع الشاعر اللغتين جميعا، قال:


                              سقى قومي بني مجد، وأسقى     نميرا والقبائل من هلال



                              [ ص: 941 ] وقوله: "ويتعاونان على الفتان" ، يعني الشيطان الذي يفتن الناس بخدعه، وغروره، ويزين المعاصي، ويحببها إليهم، فإذا نهى الرجل أخاه عن ذلك، وأخبره بما يناله من سوء عاقبة ذلك، فقد أعانه عليه وكذلك أخو الرجل له، فهما متعاونان وفيه تفسير آخر: إن الفتان: اللص الذي يعرض لهم في طرقهم لأخذ أموالهم، ويفتنهم بظهوره على أموالهم، فينبغي لمن كان في سفر معه أخوه، فعرض له لص أن يعينه عليه، فيكون كما وصف رسول الله صلى الله عليه: "أخو المسلم يسعهما الماء، والشجر، ويتعاونان على الفتان" .

                              [ ص: 942 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية