الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              الحديث الحادي عشر .

                              باب: عذر .

                              حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن حسان، عن زيد بن الحواري، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء" .

                              حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أم قيس قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة، فقال: "علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكن بهذا العود يسعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب"   .

                              حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا عيسى بن يونس، عن خارجة، عن شيخ، عن ابن مسعود، أن النبي صلى الله عليه قال: "الوليمة في الإعذار حق" .

                              حدثنا ابن أخي الأصمعي، حدثنا عمي، حدثنا إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، [ ص: 267 ] قلت لسعد: أسنانكم معشر المهاجرين؟ قال: "كنا من إعذار عام واحد"، يعني ختنا في سنة واحدة يعني العشرة .

                              حدثنا أبو بكر، حدثنا عبدة، عن الإفريقي، عن سعد بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه: "الفقر أزين للمؤمن من عذار حسن على خد فرس" .

                              حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن رجل، عن النبي صلى الله عليه: "لن يهلكوا، - يعني الناس - حتى يعذروا من أنفسهم" .

                              حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه قال: "قد أعذر الله إلى العبد، أخر أجله حتى يبلغ ستين أو سبعين" .

                              [ ص: 268 ] حدثنا الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن يحيى بن سعيد بن العاص، أن النبي صلى الله عليه استعذر أبا بكر من عائشة، فرفع أبو بكر، فلطم في صدرها، فوجد من ذلك النبي، وقال: "ما أنا بمستعذر منها بعد فعلتك هذه" .

                              حدثنا أبو الربيع، حدثنا حماد بن زيد، عن عبد الله بن مختار، عن محمد بن زياد، عن زبيد بن الصلت: تعذر العيش علينا بالمدينة، فلقيني عمر فقال: أين تريد؟ قلت: الشام قال: "لم تعرض هؤلاء الفتية لطواعين الشام؟" .

                              حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا حميد بن الأسود، عن أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه كره السلت الذي يجعل بالعذرة" .

                              [ ص: 269 ] قوله: "ليفضي في الغداة إلى مائة عذراء" هي التي لم يمسها رجل حدثنا أبو نصر، عن الأصمعي: يقال للرجل إذا افتض الجارية: هو أبو عذرها قوله: "قد أعلقت عليه من العذرة" سمعت مصعب بن عبد الله يقول: العذرة: قرحة تخرج في الخرم الذي بين آخر الأنف وأصل اللهاة يصيب الصبيان عند طلوع العذرة، فتعمد المرأة إلى خرقة فتفتلها فتلا شديدا، وتدخلها في أنفه فتطعن ذلك الموضع فينفجر منه دم أسود، وربما أقرح الطعن ذلك الموضع، وذلك الطعن هو الدغر والدغر: أن يدفع يده في الطعام، وكان علي لا يقطع في الدغرة، وكانوا بعد أن يفعلوا بالصبي ذلك يعلقون عليه علاقا، فلما رأى النبي صلى الله عليه ذلك العلاق على ابن أم قيس علم أنه قد دغر فكره العلاق أيضا؛ لأنه لا معنى له، ولا يغني عن المعذور شيئا، وأمرها أن تسعطه بماء العود الهندي، وهو القسط في أنفه؛ لأنه يصل إلى العذرة فيقبضها؛ لأنه يفعل ذلك ويلد به من ذات الجنب وهي: الدبيلة واللدود: السعوط في أحد شقي الفم، والوجور في وسط الفم .

                              [ ص: 270 ] أخبرنا أبو نصر، عن الأصمعي: العذرة: وجع في الحلق وقال أبو إسحاق: " قوله: يصيب الصبيان عند طلوع العذرة، وهي خمس كواكب على إثر الشعرى؛ العبور، والشعرى الشامية وهي متفرقة تسمى العذارى، وهي بحذاء الزبرة، وهي تطلع في الحر. والعذرة: الخصلة من الشعر، ومن عرف الفرس قوله: "الوليمة في الإعذار" حدثنا الحكم بن موسى، عن عيسى بن يونس: الإعذار: الختان أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: الإعذار: الختان، أعذرت الغلام إعذارا، وغلام معذر، وأعذر الغلام، ويقال للجارية: أعذرت وخفضت، والختانة معذرة، وكنا في إعذار بني فلان، وهو الطعام عند الختان. وأنشدنا:


                              فأخذن أبكارا وهن بآمة أعجلنهن مظنة الإعذار



                              قوله: بآمة: يعني العيب. وقال آخر:


                              كل الطعام تشتهي ربيعه     الخرس والإعذار والنقيعه



                              ومن ذلك: "كنا إعذار عام واحد" : أي ختنا في عام .

                              [ ص: 271 ] وقال أبو زيد: أعذرت وعذرت الغلام والجارية، وأنشد: تلوية الخاتن زب المعذر وقال:


                              غمز ابن مرة يا فرزدق كينها     غمز الطبيب نغانغ المعذور



                              قوله: "من العذار على خد الفرس" أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: المعذر: العذار من الفرس، وعذر دابته وهو معذر إذا شد عليه العذار، والعذرة: ما تحت ذفرييه بشبر أو نحو ذلك، قالت خنساء:


                              فراح يباري أعوجيا مصدرا     طويل عذار الخد جؤجؤه رحب



                              وفلان منقطع العذار: إذا لم تتصل لحيته من عارضيه، والعذاران: العارضان، يقال للرجل إذا خف ذلك منه إنه لخفيف العذارين قوله: "حتى يعذروا من أنفسهم" يقول: تكثر ذنوبهم فيعذروا من أهلكهم بالعقوبة أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: أعذر الرجل: إذا جاء بعذر، وعذيرك من فلان يعذر منه .

                              [ ص: 272 ] قوله: "لقد أعذر الله إلى عبد أخر أجله" وقول صفية: "فما زال النبي صلى الله عليه يعتذر إلي" وأخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: العذر والمعذور، والعذرى والعذرة، ما لك عذر ولا عذرى ولا معذرة وقال أبو زيد: سمعت التميميين، والطائيين يقولون: تعذرت إلى الرجل تعذرا في معنى اعتذرت أخبرني عمرو، عن أبيه، يقال: تعذر أي: اعتذر وأنشدنا:


                              وإني لأستحيي وفي الحق مستحى     إذا جاء باغي العرف أن أتعذرا



                              وعذرت من نفسي، ولا يقال: أعذرت. وأنشد:


                              فإن تك حرب ابني نزار تواضعت     فقد عذرتنا في كلاب وفى كعب



                              قوله "تعذر علينا العيش" يقال: تعذر علي هذا الأمر إذا لم يستقم لك، وقال امرؤ القيس:


                              ويوما على ظهر الكثيب تعذرت     علي وآلت حلفة لم تحلل



                              الكثيب: رمل مجتمع وتعذرت: تشددت. وتعذرت الحوائج عند فلان: تعسرت، وآلت حلفة لم تحلل: لم تستثن ، .

                              [ ص: 273 ] أنشدني أبو نصر:


                              ها إن ذا عذرة إن لا تكن نفعت     فإن صاحبها قد تاه في البلد



                              وعذر تعذيرا: إذا لم يبالغ، وهو يريك أنه يبالغ قال الله تعالى: وجاء المعذرون من الأعراب يعني المعتذرون، فأدغم التاء عند الذال، وهم الذين لهم عذر، والمعذر على جهة المفعل هو الذي يعتذر بغير عذر، كذا أخبرني أبو عمر، عن الكسائي وأخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: المعذرون: أي من يعذر وليس بجاد يظهر غير ما في نفسه، وأكثر القراء على التشديد وقرأ ابن عباس: "المعذرون" مخففة، والمعنى فيما أخبرنا سلمة، عن الفراء: الذي قد بلغ جهده أقصى العذر، وقال الخليل: المعذرون: الذين لهم عذر، والمعذرون: لا عذر لهم يتكلفون عذرا أخبرنا سلمة، عن الفراء: المعتذر يكون محقا له عذر، ويكون .

                              [ ص: 274 ] لا عذر له كما قال الله يعتذرون إليكم ثم قال: قل لا تعتذروا أي لا عذر لكم. قال الشاعر:


                              فقوما فقولا بالذي قد علمتما     ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر
                              إلى الحول ثم اسم السلام عليكما     ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر



                              يقول: قد أعذر، والعذر جميع عذرة وعذرى ومعذرة. ومن الأمثال: أبى الحقين العذرة، هذا رجل ضاف قوما فاعتذروا إليه وهو يرى أوطاب اللبن يعني حقنوا اللبن في الأوطاب. وقال:


                              عذير الحي من عدوا     ن كانوا حية الأرض.



                              وقال أبو زيد: العذرة: فناء الدار، يقال: لا تطورن بعذرتي ، [ ص: 275 ] والجميع العذرات. ومثله عقوتي، وجنابي، وناحيتي، وسميت العذرة؛ لأنها كانت تلقى بالأفنية قوله: "السلت الذي يجعل بعذرة الناس" هو ما أثفله الإنسان، يقال: أعذر الرجل إذا بدا ذاك منه سمعت أبا نصر يقول: العذير: الحال وأنشدنا:


                              جاري لا تستنكري عذيري     سعيي وإشفاقي على بعيري

                              .

                              [ ص: 276 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية