الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              غريب حديث عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                              باب: عق .

                              حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن كبشا، وعن الحسين كبشا   " .

                              حدثنا عفان، والحوضي قالا: حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل غلام مرتهن بعقيقته" .

                              حدثنا أبو غسان، حدثنا جميع بن عمر، حدثني رجل، بمكة، عن ابن أبي هالة، عن الحسين بن علي: سألت خالي هند بن أبي هالة، عن حلية النبي، صلى الله عليه وسلم، فوصفها، فقال: كان رجل الشعرة، إن انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا " .

                              [ ص: 43 ] حدثنا دحيم، حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، سمعت عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو بالعقيق -: " أتاني الليلة آت، فقال: صل في هذا الوادي المبارك " .

                              حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" .

                              حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل يقود فرسا عقوقا" .

                              حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا يزيد بن عبد ربه، عن محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهوزني، عن أبي كبشة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [ ص: 44 ] : "من أطرق مسلما، فعقت الفرس كان له كأجر سبعين فرسا حمل عليها في سبيل الله، فإن لم يعق كان له كأجر من حمل عليه" .

                              حدثنا يوسف بن بهلول، حدثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق: " مر أبو سفيان بحمزة، فجعل يضرب في شدقه بزج الرمح، ويقول: ذق عقق " .

                              حدثنا ابن نمير، حدثنا محبوب، عن بكير بن عامر، عن إبراهيم قال: "يقتل المحرم العقعق" .

                              حدثنا عبد الله، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثنا عبد الرحمن بن عائش، سمعت ابن عباس، وسئل عن الرضعة الواحدة قال: "إذا عقى حرمت عليه، وما ولدت" .

                              حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا أبو صالح، عن ليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عمر بن الخطاب قال إبراهيم: وحدثني رجل، عن سليمان بن داود، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس قال: " ذكر عمر رجلا، فقال: وعقة " .

                              [ ص: 45 ] حدثنا عمرو بن مرزوق، أخبرنا عكرمة، حدثنا طيسلة بن علي: كنا عند ابن عمر، فقال رجل: من المؤمن؟ قال: "الذي إذا حدث صدق، ويأمن من أمسى بعقوته من عارف أو منكر" .

                              حدثنا اليمامي، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني أبو إدريس قال: "مثلكم ومثل عائشة مثل العين في الرأس، تؤذي صاحبها، ولا يستطيع أن يعقها إلا بالذي هو خير لها" قوله: "عق عن الحسن كبشا" أصل العقيقة  الشعر الذي يولد مع الصبي أو الوبر الذي يكون على البهيمة حين تولد، فيقال: عق عنه يوم أسبوعه، أي: حلقت عقيقته، وذبح عنه، فكان الذبح مع الحلق، فنقل من الشعر إلى الذبح، فقيل للشاة عقيقة قال امرؤ القيس:


                              يا هند لا تنكحي بوهة عليه عقيقته أحسبا



                              يصفه بالشح، أي لم يحلق عقيقته حتى شاخ، وأحسب: ابيضت جلدته من ذا قال آخر:

                              [ ص: 46 ]

                              تحسرت عقة عنها فأنسلها     واجتاب أخرى جديدا بعدما ابتقلا



                              وقال:


                              أطار عقيقه منه نسيل     وحملج مر ذي شطن بدوع



                              قوله: عقيقه: وبره الأول. ونسيل: وبره الثاني، وحملج: فتل، والمر: الفتل، وذو شطن: حبل. قال عدي بن زيد:


                              صخب التعشير نهاق الضحى     ناسل عقته مثل المسد



                              قوله: إن انفرقت عقيقته فرق، فكأنه الشعر وإن لم يكن ولد معه. ومعناه إذا طال حتى ينفرق هو لكثرته فرقه، وإلا تركه على حاله، ولم يفرقه، وقد جعل الوبر عقيقة، وإن لم يولد معه. قال:


                              أذلك أم أقب البطن جأب     عليه من عقيقته عفاء

                              .

                              [ ص: 47 ] جأب: حمار غليظ، والعفاء: بقية وبره، والجميع عقق، وأنشدنا أبو نصر:


                              طير عنها النسء حولي العقق     فمار عنهن موارات المزق



                              النسء: بدو سمن، وحولي: ما أتى عليه حول وما سقط، والمزق: ما تمزق من الوبر. أخبرنا أبو نصر عن الأصمعي: العقيقة من الوبر سلسلة تتصدع في السماء كأنها عمود، يقال: إن هذا برق ذو عقيقة، ويقال: انعق البرق وعق، وهو انشقاقه، قال عمرو بن كلثوم:


                              بسمر من قنا الخطي لدن     وبيض كالعقائق يختلينا



                              وقوله: وهو بالعقيق، واد على ميلين من المدينة قبل ذي الحليفة. قال المجنون:


                              وهيهات هيهات العقيق وأهله     وهيهات خل بالعقيق تواصله

                              .

                              [ ص: 48 ] والعقيقان: عقيق تمرة، وعقيق البياض في بلاد بني عامر من ناحية اليمن، وبينهما رمل الدبيل، ورمل يبرين، وفيهما قال أبو خراش:


                              دعا قومه لما استحل حرامه     ومن دونهم عرض الأعقة والرمل
                              ولو سمعوا منه دعاء يروعهم     إذا لأتته الخيل أعينها قبل



                              قال الأخفش: نزل غلام من بني تميم، ثم من بني حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة في بني جريب من سعد بن هذيل مجاورا فيهم، فغزا معهم، فغدر به جاره واسمه غاسل بن قيمة، فقتله، وأخذ سلاحه، فإياه عنى أبو خراش بقوله: "دعا قومه لما استحل حرامه" أي: جواره وعهده، ودونه ودون قومه، عرض الأعقة والرمل، ثم قال:


                              ولو سمعوا منه دعاء يروعهم     إذا لأتته الخيل أعينها قبل



                              لم يرد أعين الخيل، أراد أعين فرسانها فيها، كالقبل وهو دون الحول من شدة الغضب .

                              [ ص: 49 ] وفي قوله: عرض الأعقة، حجة لمن حجب بالأخوين الأم عن الثلث إلى السدس، لمن قال ذلك غير ابن عباس، فإنه لم يحجبها إلا بثلاثة، وأبو خراش ههنا قال: عرض الأعقة، فجمع، وإنما هما عقيقان. قوله: "وعقوق الوالدين" هو قطيعتهما، عق يعق عقا وعقوقا، وهو عاق. قال:


                              إن البنين شرارهم أمثاله     من عق والده وبر الأبعدا



                              وقال زهير:


                              فأصبحتما منها على خير موطن     بعيدين فيها من عقوق ومأثم.



                              أخبرنا عمرو عن أبيه قال: عقيقة الرمل: طريقه منه، فإذا جمم النبت، فقد عق. وأنشدنا:


                              كعقيلة الأدحي أحصنها     من رهمة بعقيقة قفر



                              قوله: "يقود فرسا عقوقا" . وقوله: "فعقت الفرس" أخبرني أبو نصر عن أبي عبيدة قال: إذا اندح بطن الفرس بالحمل فهي عقوق، وهن عقق وعقائق .

                              [ ص: 50 ] أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي قال العقق: جمع العقوق وهي الحامل إذا ضخم بطنها، وهي عقوق، ولا يقال: معق، وأنشدنا:


                              وسوس يدعو مخلصا رب الفلق     سرا وقد أون تأوين العقق



                              أون: عظمت بطونها من شرب الماء، والعقق: الحامل إذا عظم بطنها. وقال زهير:


                              غزت سمانا فآبت ضمرا خدجا     من بعدما جدبوها بدنا عققا



                              بدنا: سمانا، والجميع عقاق. قال أبو خراش:


                              أبن عقاقا ثم يرمحن ظلمه     إباء وفيه صورة وذميل



                              أبن: تبين حملهن، فالفحل يريدها وهي ترمح ظلمه إياها، لأنها قد حملت، فهي لا تريده، صورة: ميل وذميل: ضرب من السير .

                              حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي، عن الأعمش، عن عبد الله، عن ابن أبي ليلى، عن أبي نعيمان، قيل له: هل عندكم في المرأة التي لا تحمل شيء .

                              [ ص: 51 ] قال: نعم، فأتى بها، فقال: "يا أيتها الرحم العقوق، خذ كراعا وفوق، وتمرة من العذوق، اجعله في الرحم العقوق، لعلها تعلق أو تفيق، فولدت فأتى نعيمان بغنم وسمن، فحمل منه شيئا إلى أبي بكر، فأكل منه، ثم أتى فأخبر الخبر، فقام فاستقاء" قوله: "ذق عقق" : يريد يا عاق، مثل: فجر يا فاجر، وخبث يا خبيث، وغدر يا غادر وقوله: "يقتل المحرم العقعق"، هو طائر والقعقع هو طائر أيضا قوله: "وعقى" العقي شيء يخرج من بطن الصبي أسود حين يولد، عقى يعقي عقيا، والاسم العقي، فالمعنى: إذا شرب من لبن المرأة وعقى بعد شربه حرمت وقوله: إن فلانا وعقة، أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: رجل وعقة: إذا كان سيئ الخلق، وزنخ، وشنظير، وهو الذي يقع في الأمر بجهل. قال رؤبة:


                              أسبابه بالنجم حين حلقا     بعدا من الغدر وإن توعقا

                              .

                              [ ص: 52 ] توعق: تعسر، مدح مروان بن محمد، فقال: هو بعيد من الغدر، ومن تعلق بأسبابه فكأنما تعلق بالنجم قوله: "ويأمن من أمسى بعقوته"

                              أخبرني أبو نصر عن الأصمعي يقال: نزل فلان بعقوته أي: قريبا منه، وقال غيره: عقوة الدار: حواليها وقال الأحمر: اذهب فلا أرينك بعقوتي، وعقاتي، وسحسحي، وسحاتي، وحراتي، وحراي، وذراي وزاد أبو زيد: وعذرتي وجنابي وعراي قوله: "ولا تستطيع أن تعقها" أصل العق: الشق، والقطع يشبه العق، عق ثوبه: إذا شقه قال طفيل الغنوي:


                              فحار وعقت مزنه الريح والتقت     بأبطح معشاب الخلاء مجزع



                              وصف سحابا، فقال: حار: لم يأخذ على القصد، وعقت الريح مزنه: شقته، والتقت الرياح بأبطح: وادي رمل، ومجزع: فيه طرائق نبت قال أبو نصر: عائقات الدهر: صوارفه. وأنشدنا:


                              وقى صروف الدهر غول الأغوال     إن لم تعقه عائقات الآجال



                              قال الأخفش: تعقه العوائق: تحبسه. والتعويق والاعتياق، إذا أردت أمرا فصرفت عنه، رجل عوقة: ذو تعويق، وقال :

                              [ ص: 53 ]

                              ألا هل أتى أم الحويرث مرسلي     إلى خالد إن لم تعقه العوائق



                              والعيوق: نجم يطلع بحيال الثريا في طرف المجرة الأيمن يطلع قبل الثريا بعشر قال:


                              يراعي الثريا وعيوقها     ونجم الذراعين والمرزما



                              والمرزم: كوكب أحمر أسفل من زحل الجوزاء يدعى مرزم الجوزاء. والعقيان: ذهب ينبت نباتا ليس يستخرج من التراب قال:


                              كل قوم صيقة من آنك     وبنو العباس عقيان الذهب



                              والعقيان والنضير: الذهب. والتبر: الذهب، ويكون فضة غير مصوغة فأما اللجين والوذيلة فالفضة والعيقة: ساحل البحر وناحيته. والعقيق: خرز أحمر ينظم، واحده عقيقة، وانعق الغبار: سطع. ويعوق: اسم صنم، والوعيق: صوت يسمع من فرج الدابة .

                              [ ص: 54 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية