الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              باب: مل .

                              حدثنا سلم بن قادم، حدثنا أبو عامر، عن زهير بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون، وأحلم ويجهلون. قال: "لئن كان كما تقول لكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير"   .

                              حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، حدثنا الحسن، عن أبي برزة: " كنا نسمع في الجاهلية: من أكل الخبز سمن، فكنا نقاتل ناسا من المشركين، فأجهضناهم عن خبز ملة، فأقبلنا عليها، فجعلنا نأكل منها، فلما شبعنا جعل أحدنا ينظر إلى عطفه هل سمن؟ " .

                              [ ص: 330 ] حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن ابن جريج، حدثني يوسف بن ماهك، سمع ابن أبي عمار، قال: "أقبلت مع كعب، ومعاذ محرمين فمر بكعب رجل من جراد فأخذ جرادتين فملهما" .

                              حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا ضمام، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه قال: "لا تزال المليلة والصداع بالعبد حتى يدعه، وما عليه من خطيئة" .

                              حدثنا الحوضي، حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي الصديق، عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه: إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا: باسم الله وعلى ملة رسول الله .

                              حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد قال: وحدث قتادة، عن خلاس [ ص: 331 ] : "أن أمة، أتت طيئا فأخبرتهم أنها حرة، فتزوجت رجلا فولدت فرفع إلى عثمان فجعل في ولدها الملة" .

                              حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا أبو أسامة، عن علي بن حنظلة، عن أبيه، أن عبد الله بن جعفر، أحمى مسمارا ليفقأ به عين ابن ملجم فقال: " إنك لتكحل عمك بملمول مض .

                              حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن مفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سهل بن سعد، عن مروان، أن زيد بن ثابت، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه أمل عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين "حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمر، عن عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون ،" كان الطفيل رجلا شريفا شاعرا، كثير الضيافة ميلا " .

                              [ ص: 332 ] حدثنا ابن عائشة، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه: "إن الله لا يمل حتى تملوا" .

                              حدثنا داود بن مهران، حدثنا الخفاف، عن عوف، عن ابن سيرين، قال علي: "والله ما قتلت عثمان ولا مالأت" .

                              حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا أبو أسامة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وبحر بن عبد الرحمن، أن عمر، حين طعن قال للقوم: "كان هذا عن ملأ منكم؟" .

                              حدثنا عفان، حدثنا عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس قال: "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه على راحلته وملأ بني [ ص: 333 ] النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب" .

                              حدثنا عفان، وأبو الوليد قالا: حدثنا شعبة، أخبرني أبو الحسن، سمعت ابن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه إذا رفع رأسه من الركوع قال: "ربنا لك الحمد ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد" .

                              حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا يحيى بن حمزة، عن ابن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد: سمعت النبي صلى الله عليه يقول: "تدنو الشمس يوم القيامة من الناس حتى تكون مقدار ميل، ويكون الناس على قدر أعمالهم في العرق" .

                              حدثنا عثمان، حدثنا جرير، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن [ ص: 334 ] : خرج علي وهو يتقلقل فقال: والصبح إذا تنفس نعم ساعة الوتر هذه"  وأحسبه أراد يتململ قال إبراهيم: وسمعت في مقتل أبي عبيد بن مسعود الثقفي أنه حمل يوم الجسر على الفرس فكشفهم حتى تركوا الفيل، فضرب ململة الفيل وتوطأه، وضرب أبو محجن عرقوبه، وأحاطت الخيل بأبي عبيد فقتل .

                              حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني أبي، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خثيم، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه أنه خط خطا مربعا، وخط وسطه خطا وخطوطا إلى جنب الخط الذي وسط الخط المربع، وخط خطا خارجا من الخط فقال: "أتدرون ما هذا؟ هذا الإنسان الخط الأوسط، وهذه الخطوط إلى جنبه الأعراض تنهشه من كل مكان إن أخطأ هذا أصابه هذا، والخط المربع الأجل، والخط الخارج الأمل" .

                              [ ص: 335 ] حدثنا ابن نمير، حدثنا أبو معاوية، عن بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال رسول الله صلى الله عليه: " إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة .

                              حدثنا حسين بن الأسود، حدثنا إسحاق بن سليمان، حدثنا أبو سنان، عن عمرو بن مرة: أن رجلا، دخل على أبي ذر، فقرب إليه طعاما فيه قلة، فميل فيه لقلته، فقال أبو ذر، "إنما أخاف كثرته ولم أخف قلته" .

                              حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن علي بن زيد: "دخلت على الحسن وعلى وجهه ملاءة سابرية" .

                              حدثنا محمد بن صالح، عن محمد بن عمر، عن معمر، وأسامة، عن عائشة قالت: "أصبح النبي صلى الله عليه بملل، ثم راح وتعشى بشرف السيالة، وصلى المغرب والعشاء، وصلى الصبح بعرق الظبية دون الروحاء في مسجد عن يسار الطريق" .

                              [ ص: 336 ] حدثنا أبو الوليد، حدثنا شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي ليلى الكندي، عن سويد بن غفلة: "أتى مصدق النبي فأتاه رجل بناقة عظيمة ململمة فأبى أن يأخذها"

                              قوله: "كأنما تسفهم المل" يجعل المل سفوفا لهم أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي قال: الملة: الرماد الحار، يقال: خبز ملة، والخبز يسمى المليل، يقال: مل خبزته يملها ملا أخبرنا سلمة، عن الفراء: مللت الشيء في النار أمله، وأطعمنا خبزة مليلا ولا تقل: ملة. والملة: الرماد قال إبراهيم: هذا مما نقل اسمه إذ كثر في كلامهم، فقالوا: أكلنا ملة، وهو تراب أوقدت عليه نارا، والمليل: ما طرح في النار قوله: فملهما: أي شواهما بالملة وهو الرماد الحار قوله: لا تزال المليلة.

                              أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي، يقال: به مليلة يعني حراقا يجدها وقال غير الأصمعي: الملة ثقل في الرأس، كالزكمة، والملة كظة [ ص: 337 ] وقوله: رأيت على الحسن ملاءة والملاءة: ريطة والجمع ملاء قال زهير:


                              فذروة فالجناب كأن خنس النـ ـعاج الطاويات بها ملاء



                              فذروة والجناب: موضعان وخنس النعاج: بقر قصيرات الأنف والطاويات: المضمرة، شبههن بالملاء؛ لبياضها قوله: "وعلى ملة رسول الله" أي على دين رسول الله صلى الله عليه كما قال بل ملة إبراهيم حنيفا أي الطريق الذي أوضحه، طريق مليل سلك حتى صار معلما وقوله: جعل عثمان في ولدها الملة، وهو أن يفتكهم أبوهم من موالي أمهم. فكان عمر وأبو ميسرة، وسعيد، والحسن يقولون: يعطي مكان كل رأس رأسا، وقال عثمان: يعطي مكان كل رأس رأسين، وقال الشعبي، وإبراهيم، ومكحول، وابن شبرمة، ومالك: يعطي قيمتهم ما بلغت، وقال ابن أبي ذئب: يفتكهم بست فرائض، وقال أبو الزناد: يفتك الجارية بغرة، والغلام بغرتين. والمآلي: واحدتها مئلاة، وهي خرقة تشير بها النائحة قوله: بملمول مض: هو الميل الذي يكتحل به [ ص: 338 ] قوله: أمل عليه لا يستوي القاعدون .

                              أخبرنا سلمة، عن الفراء: يقال: أمللت الكتاب، وأمليت لغتان وقال الأصمعي: أمللت الكتاب، فأنا أمليه، وأنا ممل، والكتاب ممل، ويقال: أمليت الكتاب فأنا أمليه، وأنا ممل، والكتاب مملى قال الله تعالى: فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قوله: "وكان ميلا" أي ذا مال وقال الأصمعي: مال الرجل يمال مالا إذا كثر ماله، وملت: كثر مالك، ورجل ميل، وامرأة ميلة، والقياس رجل مائل ومائلة، أو مالئ ومالئة.

                              قوله: "لا يمل حتى تملوا" أخبرنا سلمة، عن الفراء يقال: مللت أمل: ضجرت.

                              وقال أبو زيد: مل يمل ملالة، وأمللته إملالا، فكأن المعنى: لا يمل من ثواب أعمالكم حتى تملوا من العمل أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي يقال: أمل فلان على فلان إذا شق عليه قوله: "ما قتلت عثمان ولا مالأت عليه" أي عاونت، مالأت فلانا على كذا، قال:

                              [ ص: 339 ]

                              فنادوا يا لبهثة قد أتيتم     فقلنا أحسني ملأ جهينا



                              قوله: "عن ملأ كان هذا" عن تشاور من جماعتنا الملأ للجماعة. ومثله: "وملأ بني النجار حوله" قال:


                              وقال لها الأملاء من كل معشر     وخير أقاويل الرجال شديدها



                              قوله: "ملء السماء" من الامتلاء، ملأته فامتلأ وهو ملآن أخبرنا سلمة عن الفراء، يقال: قميصي ملآن مدادا، وجبتي ملأى، وأعطني ملء القدح سمنا قال:

                              بهجمة تملأ عين الحاسد أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي، يقال: الماء ملء هذا، والملء: المصدر وملأته ملأ قال:


                              وسقاء يوكى على تأق الملء     بسير ومستقى أشوال



                              [ ص: 340 ] وهو ما سال من عرض الجبل قوله: "فتكون على قدر ميل" فإن كان الميل يكتحل به فطوله ما تعرف، وإن كان ميل الأرض فهو ثلث الفرسخ قال أبو نصر: الميل: القطعة من الأرض، وهي المسافة ما بين العلمين قال:


                              رب خرق من دونها يخرس السفـ     ـر وميل يفضي إلى أميال



                              خرق: أرض واسعة يخرس السفر: لا ينطقون من هولها قوله: يتململ أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: فلان يتململ على فراشه: من حرقة أو وجع وقوله: "ململة الفيل" يريد خرطومه لكثرة تحريكه له وتململه وعير ملامل أي سريع وسمعت ابن الأعرابي يقول: جاءني الأمر، وما مألت مأله، ولا ربأت ربأه، ولا شأنت شأنه، ولا نبلت نبله، ولا هؤت هوأه، ولا سؤت سوأه: إذا أتاك ولم تطلبه ولم ترجه قال أبو زيد: الأميل: الذي لا سيف معه والأجم: لا رمح معه والأكشف: الذي لا ترس معه والأعزل: لا سلاح معه [ ص: 341 ] وسمعت ابن الأعرابي يقول: الأميل الذي لا يثبت في سرجه، وهو القلع. والأكشف: الجبان الذي ينكشف عن القوم فيمضي قوله: "الخط الخارج الأمل" أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي يقال: أملى عليه الزمن: طال عليه. قال الله تعالى: وأملي لهم إن كيدي متين ، يقول: أخروا في الأمن والسعة وقوله: "يملي للظالم" أملى له: طول له ومد له والملاوة: الدهر عشت ملاوة من الدهر: أنشدنا أبو نصر:


                              ملاوة ملئتها كأني     ضارب صنجي نشوة مغني
                              شربا ببيسان من الأردن     بين خوابي قرقف ودن



                              وقال آخر:


                              فتلك خطوب قد تملت شبابنا     قديما فتبلينا المنون وما تبلى



                              أخبرنا عمرو، عن أبيه: الملوان: الليل والنهار، الواحد ملا وأنشدنا:


                              ألا يا ديار الحي بالسبعان     أمل عليها بالبلى الملوان
                              نهار وليل دائب ملواهما     على كل حال الدهر يختلفان



                              [ ص: 342 ] أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي، يقال: مل ثوبه يمله ملا، وهي الخياطة الأولى قبل الكف، وقال غيره: مل الفرس يمتل امتلالا: إذا مر مرا سريعا أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: الأمل الواحد أميل: وهو جبل عرضه ميل أو نحو ذلك أخبرنا عمرو، عن أبيه، عن الأسدي: الأميل: أطول ما يكون من الرمل في السماء، عريض وإذا كان رقيقا فهو حبل وقال أبو نصر: الأميل: رمل ذو عرف، وأنشدنا:


                              فانصاع مذعورا وما تصدفا     كالبرق يجتاز أميلا أعرفا



                              وصف ثورا انصاع: انساق فمضى على وجهه، وما تصدف يقول: عدل كالبرق يشبهه في خفته يجتاز: يجوز والأميل: رمل ذو عرف أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي، يقال: في أرضه من الشجر الملم كذا وكذا إذا قاربت أن تحمل، وإذا قارب الغلام الاحتلام قيل: قد ألم [ ص: 343 ] قوله: "فميل فيه لقلته" يقول: ميز بين الأكل والترك أنشدنا أبو نصر:


                              لما أراد توبة الترحم     ميل بين الناس أيا يعتمي



                              يعتمي يعني: يقصد قصده أخبرنا عمرو، عن أبيه قال: الملا: الصحراء، وأنشدنا:


                              فهل يبلغني أرض دهماء حرة     وكل نغوص بالملا زفيان



                              أي خفته في سيره، وملل: اسم موضع في طريق مكة من المدينة على سبعة عشر ميلا، ثم السيالة. قال:

                              على ملل يا لهف نفسي على ملل والتأمل: التثبت في النظر قال:

                              [ ص: 344 ]

                              تأمل خليلي هل ترى من ظعائن     تحملن بالعلياء من فوق جرثم



                              أخبرنا عمرو، عن أبيه: المؤالى: الذي قد أغلي حتى صار خاثرا قال اللعين:


                              سمعمعة كأن لمعصميها     وضاحي جلدها ربا مؤالا



                              المئل: الذي يقع في الناس وإنك لمئل أي كثير الكلام والأل: الطرد.

                              أخبرنا عمرو، عن أبيه، عن أبي مطرف قال: الملوال: الوجهة، ويقال: لؤم يلؤم لؤما وملأما، وإذا سب قيل: يا لؤمان، ويا ملئم، والملئم: الذي يلد اللئام قوله: بناقة ململمة أي: مجتمعة من قولهم: كتيبة ململمة .

                              [ ص: 345 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية