الوجه الرابع من النقل ما جاء في الصوفية المشهورين عند الناس : ذم البدع وأهلها عن
وإنما خصصنا هذا الموضع بالذكر ، وإن كان فيما تقدم من النقل كفاية ، لأن كثيرا من الجهال يعتقدون فيهم أنهم متساهلون في الاتباع ، وأن اختراع العبادات والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون عليه ، وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به ، فأول شيء بنوا عليه طريقتهم : اتباع السنة ، واجتناب ما خالفها ، حتى زعم مذكرهم ، وحافظ مأخذهم ، وعمود نحلتهم ، ( ) أنهم إنما اختصوا باسم التصوف انفرادا به عن أهل البدع ، فذكر أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في [ ص: 120 ] عصرهم باسم علم سوى الصحبة ، إذ لا فضيلة فوقها ، ثم سمي من يليهم التابعين ، ورأوا هذا الاسم أشرف الأسماء ، ثم قيل لمن بعدهم أتباع التابعين ، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب ، فقيل لخواص الناس ممن له شدة عناية من الدين : الزهاد والعباد . أبو القاسم القشيري
قال : ثم ظهرت البدع ، وادعى كل فريق أن فيهم زهادا وعبادا ، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله الحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف .
هذا معنى كلامه ، فقد عد هذا اللقب مخصوصا باتباع السنة ومباينة البدعة ، وفي ذلك ما يدل على خلاف ما يعتقده الجهال ومن لا عبرة به من المدعين للعلم .
وفي غرضي إن فسح الله في المدة ، وأعانني بفضله ، ويسر لي الأسباب أن ألخص في طريقة القوم أنموذجا يستدل به على صحتها وجريانها على الطريقة المثلى ، وأنه إنما داخلتها المفاسد وتطرقت إليها البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح ، وادعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي ، ولا فهم لمقاصد أهلها ، وتقولوا عليهم ما لم يقولوا به ، حتى صارت في هذا الزمان الأخير كأنها شريعة أخرى غير ما أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 121 ] وأعظم من ذلك أنهم يتساهلون في اتباع السنة ، ويرون اختراع العبادات طريقا للتعبد صحيحا ، وطريقة القوم بريئة من هذا الخباط بحمد الله .
فقد قال : " من جلس مع صاحب بدعة ، لم يعط الحكمة " . الفضيل بن عياض
وقيل لـ : إبراهيم بن أدهم ادعوني أستجب لكم ) ، ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا ! فقال : ماتت قلوبكم في عشرة أشياء : أولها : عرفتم الله فلم تؤدوا حقه ، والثاني : قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به ، والثالث : ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته ، والرابع : ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه ، والخامس : قلتم نحب الجنة وما تعملون لها . إلى آخر الحكاية . إن الله يقول في كتابه : (
وقال : " ذو النون المصري متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأمره وسنته " . من علامة حب الله
وقال : " إنما دخل الفساد على الخلق من ستة أشياء ، الأول : ضعف النية بعمل الآخرة ، والثاني : صارت أبدانهم مهيئة لشهواتهم ، والثالث : غلبهم طول الأمل مع قصر الأجل ، والرابع : آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله ، والخامس : اتبعوا أهواءهم ونبذوا سنة نبيهم [ ص: 122 ] صلى الله عليه وسلم ، والسادس : جعلوا زلات السلف حجة لأنفسهم ودفنوا أكثر مناقبهم .
وقال لرجل أوصاه : " ليكن آثر الأشياء عندك وأحبها إليك : إحكام ما افترض الله عليك ، واتقاء ما نهاك عنه ، فإن ما تعبد الله به خير لك مما تختاره لنفسك من أعمال البر التي [ لا ] تجب عليك ، وأنت ترى أنها أبلغ لك فيما تريد ، كالذي يؤدب نفسه بالفقر والتقلل وما أشبه ذلك ، وإنما للعبد أن يراعي أبدا ما وجب عليه من فرض يحكمه على تمام حدوده ، وينظر إلى ما نهي عنه فيتقيه على إحكام ما ينبغي ، فإن الذي قطع العباد عن ربهم ، وقطعهم عن أن يذوقوا حلاوة الإيمان ، وأن يبلغوا حقائق الصدق ، وحجب قلوبهم عن النظر إلى الآخرة : تهاونهم بأحكام ما فرض عليهم في قلوبهم ، وأسماعهم ، وأبصارهم ، وألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم ، وبطونهم وفروجهم ، ولو وقفوا على هذه الأشياء وأحكموها; لأدخل عليهم البر إدخالا تعجز أبدانهم وقلوبهم عن حمل ما رزقهم الله من حسن معونته وفوائد كرامته ، ولكن أكثر القراء والنساك حقروا محقرات الذنوب ، واستهانوا بالقليل مما هم فيه من العيوب ، فحرموا ثواب لذة الصادقين في العاجل " .
وقال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال لي : بشر الحافي بشر ! تدري لم رفعك الله بين أقرانك ؟ قلت : لا يا رسول الله ، قال : لاتباعك سنتي ، وحرمتك للصالحين ، ونصيحتك لإخوانك ، ومحبتك لأصحابي وأهل بيتي ؛ هو الذي بلغك منازل الأبرار " . يا
وقال : " اختلاف الناس كلهم يرجع إلى ثلاثة أصول ، فلكل واحد منها ضد ، فمن سقط عنه ، وقع في ضده : التوحيد [ ص: 123 ] وضده الشرك ، والسنة وضدها البدعة ، والطاعة وضدها المعصية " . يحيى بن معاذ الرازي
وقال أبو بكر الدقاق وكان من أقران الجنيد : " كنت مارا في تيه بني إسرائيل ، فخطر ببالي أن علم الحقيقة مباين لعلم الشريعة ، فهتف بي هاتف : كل حقيقة لا تتبعها الشريعة فهي كفر " .
وقال أبو علي الحسن بن علي الجوزجاني : " من : تيسير الطاعة عليه ، وموافقة السنة في أفعاله ، وصحبته لأهل الصلاح ، وحسن أخلاقه مع الإخوان ، وبذل معروفه للخلق واهتمامه للمسلمين ، ومراعاته لأوقاته " . علامات السعادة على العبد
وسئل فقال : " الطرق إلى الله كثيرة ، وأوضح الطرق وأبعدها عن الشبه : اتباع السنة قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية ، لأن الله يقول : ( كيف الطريق إلى الله ؟ وإن تطيعوه تهتدوا ) .
فقيل له : فقال : " مجانبة البدع ، واتباع ما أجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام ، والتباعد عن مجالس الكلام وأهله ، ولزوم طريقة الاقتداء ، وبذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : ( كيف الطريق إلى السنة ؟ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم ) .
وقال أبو بكر الترمذي : " لم يجد أحد تمام الهمة بأوصافها إلا أهل المحبة ، وإنما أخذوا ذلك باتباع السنة ومجانبة البدعة ، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أعلى الخلق كلهم همة ، وأقربهم زلفى " .
[ ص: 124 ] وقال أبو الحسن الوراق : " لا يصل العبد إلى الله إلا بالله ، وبموافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم في شرائعه ، ومن جعل الطريق إلى الوصول في غير الاقتداء ، يضل من حيث أنه مهتد " .
وقال : " الصدق : استقامة الطريق في الدين ، واتباع السنة في الشرع " .
وقال : " متابعة حبيبه صلى الله عليه وسلم " . علامة محبة الله
ومثله عن إبراهيم القمار ، قال : " علامة محبة الله : إيثار طاعته ، ومتابعة نبيه " .
وقال أبو محمد بن عبد الوهاب الثقفي : " لا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان صوابا ، ومن صوابها إلا ما كان خالصا ، ومن خالصها إلا ما وافق السنة " . وإبراهيم بن شيبان القرميسيني صحب أبا عبد الله المغربي وإبراهيم الخواص ، وكان شديدا على أهل البدع ، متمسكا بالكتاب والسنة ، لازما لطريق المشايخ والأئمة ، حتى قال فيه عبد الله بن منازل : حجة الله على الفقراء وأهل الآداب والمعاملات . إبراهيم بن شيبان
وقال أبو بكر بن سعدان - وهو من أصحاب الجنيد - وغيره : الاعتصام بالله هو الامتناع من الغفلة والمعاصي والبدع والضلالات .
وقال أبو عمر الزجاجي وهو من أصحاب الجنيد وغيرهما : " كان الناس في الجاهلية يتبعون ما تستحسنه عقولهم [ ص: 125 ] وطبائعهم ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فردهم إلى الشريعة والاتباع ، فالعقل الصحيح الذي يستحسن ما يستحسنه الشرع ، ويستقبح ما يستقبحه " . والثوري
وقيل لإسماعيل بن محمد السلمي جد ولقي أبي عبد الرحمن السلمي ، الجنيد وغيره : ما الذي لا بد للعبد منه ؟ فقال : " ملازمة العبودية على السنة ، ودوام المراقبة " .
وقال أبوعثمان المغربي التونسي : " هي الوقوف مع الحدود لا يقصر فيها ولا يتعداها ، قال الله تعالى : ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) .
وقال : " عملت في المجاهدة ثلاثين سنة ، فما وجدت شيئا أشد من العلم ومتابعته ، ولولا اختلاف العلماء لشقيت . واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد ، ومتابعة العلم هي متابعة السنة لا غيرها " . أبو يزيد البسطامي
وروي عنه أنه قال : " قم بنا ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية كان رجلا مقصودا مشهورا بالزهد " .
قال الراوي : " فمضينا ، فلما خرج من بيته ودخل المسجد; رمى ببصاقه تجاه القبلة ، فانصرف أبو يزيد ، ولم يسلم عليه ، وقال : هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه ؟ !
وهذا أصل أصله أبو يزيد رحمه الله للقوم ، وهو أن الولاية لا [ ص: 126 ] تحصل لتارك السنة ، وإن كان ذلك جهلا منه ، فما ظنك به إذا كان عاملا بالبدعة كفاحا ؟ !
وقال : " هممت أن أسأل الله أن يكفيني مؤنة الأكل ومؤنة النساء ، ثم قلت : كيف يجوز أن أسأل الله هذا ؟ ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أسأله ، ثم إن الله سبحانه كفاني مؤنة النساء حتى لا أبالي استقبلتني امرأة أم حائط " .
وقال : " لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء; فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي ، وحفظ الحدود وآداب الشريعة " .
وقال سهل التستري : " كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء : طاعة كان أو معصية ، فهو عيش النفس يعني : باتباع الهوى ، وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء; فهو عتاب على النفس يعني لأنه لا هوى له فيه " .
واتباع الهوى هو المذموم ، ومقصود القوم تركه ألبتة .
وقال : " أصولنا سبعة أشياء : التمسك بكتاب الله ، والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكل الحلال ، وكف الأذى ، واجتناب الآثام ، والتوبة ، وأداء الحقوق " .
وقال : " قد أيس الخلق من هذه الخصال الثلاث : ملازمة التوبة ، ومتابعة السنة ، وترك أذى الخلق " .
وسئل عن الفتوة ؟ فقال : " اتباع السنة " .
وقال : " ربما تقع في قلبي النكتة من نكت [ ص: 127 ] القوم أياما ، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين : الكتاب والسنة " . أبو سليمان الداراني
وقال : " من عمل عملا بلا اتباع سنة; فباطل عمله " . أحمد بن أبي الحواري
وقال أبو حفص الحداد : " من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ، ولم يتهم خواطره ، فلا تعده في ديوان الرجال " .
وسئل عن البدعة ؟ فقال : " التعدي في الأحكام ، والتهاون في السنن ، واتباع الآراء والأهواء ، وترك الاتباع والاقتداء " .
قال : " وما ظهرت حالة عالية; إلا من ملازمة أمر صحيح " .
وسئل : متى يجوز للرجل أن يتكلم على الناس ؟ فقال : " إذا تعين عليه أداء فرض من فرائض الله في عمله ، أو خاف هلاك إنسان في بدعة يرجو أن ينجيه الله منها " . حمدون القصار
وقال : " من نظر في سير السلف; عرف تقصيره ، وتخلفه عن درجات الرجال " .
وهذه والله أعلم إشارة إلى المثابرة على الاقتداء بهم ، فإنهم أهل السنة .
وقال لرجل ذكر المعرفة وقال : أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله فقال أبو القاسم الجنيد الجنيد : " إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال عن الله تعالى ، وإليه يرجعون فيها " .
قال : ولو بقيت ألف عام; لم أنقص من أعمال البر ذرة ، إلا أن [ ص: 128 ] يحال بي دونها " .
وقال : " الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم " .
وقال : " مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة " .
وقال : " من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث ، لا يقتدى به في هذا الأمر; لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة " .
وقال : " هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
وقال أبو عثمان الجبري : " الصحبة مع الله تعالى بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة ، والصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته ، ولزوم ظاهر العلم ، والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والخدمة " . إلى آخر ما قال .
ولما تغير عليه الحال ، مزق ابنه أبو بكر قميصا على نفسه ، ففتح أبو عثمان عينيه وقال : " خلاف السنة يا بني في الظاهر ، علامة رياء في الباطن " .
وقال : " من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا; نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا; نطق بالبدعة; قال الله تعالى : ( وإن تطيعوه تهتدوا ) .
قال أبو الحسين النووي : " من رأيته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي ، فلا تقربن منه " .
وقال : " ذهاب الإسلام من أربعة : لا [ ص: 129 ] يعملون بما يعلمون ، ويعملون بما لا يعلمون ، ولا يتعلمون ما لا يعلمون ، ويمنعون الناس من التعلم . محمد بن الفضل البلخي
هذا ما قال ، وهو وصف صوفيتنا اليوم ، عياذا بالله .
وقال : " أعرفهم بالله أشدهم مجاهدة في أوامره ، وأتبعهم لسنة نبيه " .
وقال شاة الكرماني : " من غض بصره عن المحارم ، وأمسك نفسه عن الشبهات ، وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة ، وعود نفسه أكل الحلال ، لم تخطئ له فراسة " .
وقال : " كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل " . أبو سعيد الخراز
وقال وهو من أقران أبو العباس بن عطاء الجنيد : " من ألزم نفسه آداب الله; نور الله قلبه بنور المعرفة ، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه " .
وقال أيضا : " أعظم الغفلة : غفلة العبد عن ربه عز وجل ، وغفلته عن أوامره ، وغفلته عن آداب معاملته " .
وقال إبراهيم الخواص : " ليس العلم بكثرة الرواية ، وإنما العالم من اتبع العلم ، واستعمله ، واقتدى بالسنن ، وإن كان قليل العلم " .
وسئل عن العافية ؟ فقال : " العافية أربعة أشياء : دين بلا بدعة ، وعمل بلا آفة ، وقلب بلا شغل ، ونفس بلا شهوة " .
وقال : " " . الصبر : الثبات على أحكام الكتاب والسنة
وقال وسئل عن أصل أحوال الصوفية ؟ فقال : [ ص: 130 ] " الثقة بالمضمون ، والقيام بالأوامر ، ومراعاة السر ، والتخلي عن الكونين " . بنان الحمال
وقال : " من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه ، ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله وأفعاله وأقواله . أبو حمزة البغدادي
وقال أبو إسحاق الرقاشي : " علامة محبة الله إيثار طاعته ومتابعة نبيه " اهـ .
ودليله قوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .
وقال ممشاد الدينوري : " آداب المريد في : التزام حرمات المشايخ ، وحرمة الإخوان ، والخروج عن الأسباب ، وحفظ آداب الشرع على نفسه " .
وسئل أبو علي الروذباري عمن يسمع الملاهي ويقول : هي لي حلال لأني قد وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الأحوال . فقال : نعم ، قد وصل ، ولكن إلى سقر " .
وقال أبو محمد عبد الله بن منازل : " لم يضيع أحد فريضة من الفرائض; إلا ابتلاه الله بتضييع السنن ، ولم يبتل بتضييع السنن أحد; إلا يوشك أن يبتلى بالبدع " .
وقال : " أفضل الأحوال ما قارن العلم " . أبو يعقوب النهرجوري
وقال : " كل حال لا يكون عن نتيجة علم; فإن [ ص: 131 ] ضرره على صاحبه أكثر من نفعه " . أبو عمرو بن نجيد
وقال : " صحبة أهل البدع تورث الإعراض عن الحق " . بندار بن الحسين
وقال أبو بكر الطمستاني : " الطريق واضح ، والكتاب والسنة قائمان بين أظهرنا ، وفضل الصحابة معلوم لسبقهم إلى الهجرة ولصحبتهم ، فمن صحب منا الكتاب والسنة ، وتغرب عن نفسه والخلق ، وهاجر بقلبه إلى الله ، فهو الصادق المصيب " .
وقال أبو القاسم النصراباذي : " أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة ، وترك البدع والأهواء ، وتعظيم حرمات المشايخ ، ورؤية أعذار الخلق ، والمداومة على الأوراد ، وترك ارتكاب الرخص والتأويلات " .
وكلامهم في هذا الباب يطول ، وقد نقلنا عن جملة ممن اشتهر منهم ينيف على الأربعين شيخا ، جميعهم يشير أو يصرح بأن الابتداع ضلال والسلوك عليه تيه ، واستعماله رمي في عماية ، وأنه مناف لطلب النجاة ، وصاحبه غير محفوظ ، وموكول إلى نفسه ، ومطرود عن نيل الحكمة ، وأن الصوفية الذين نسبت إليهم الطريقة; مجمعون على تعظيم الشريعة ، مقيمون على متابعة السنة ، غير مخلين بشيء من آدابها ، أبعد الناس عن البدع وأهلها .
ولذلك لا نجد منهم من ينسب إلى فرق من الفرق الضالة ، ولا من يميل إلى خلاف السنة .
وأكثر من ذكر منهم علماء وفقهاء ومحدثون وممن يؤخذ عنه الدين [ ص: 132 ] أصولا وفروعا ، ومن لم يكن كذلك ، فلا بد من أن يكون فقيها في دينه بمقدار كفايته .
وهم كانوا أهل الحقائق والمواجد والأذواق والأحوال والأسرار التوحيدية ، فهم الحجة لنا على كل من ينتسب إلى طريقهم ولا يجري على منهاجهم ، بل يأتي ببدع محدثات ، وأهواء متبعات ، وينسبها إليهم ، تأويلا عليهم . من قول محتمل ، أو فعل من قضايا الأحوال ، أو استمساكا بمصلحة شهد الشرع بإلغائها ، أو ما أشبه ذلك .
فكثيرا ما ترى المتأخرين ممن يتشبه بهم ، يرتكب من الأعمال ما أجمع الناس على فساده شرعا ، ويحتج بحكايات هي قضايا أحوال ، إن صحت; لم يكن فيها حجة ، لوجوه عدة ، ويترك من كلامهم وأحوالهم ما هو واضح في الحق الصريح ، والاتباع الصحيح ، شأن من اتبع من الأدلة الشرعية ما تشابه منها .
ولما كان أهل التصوف في طريقهم بالنسبة إلى إجماعهم على أمر كسائر أهل العلوم في علومهم ، أتيت من كلامهم بما يقوم منه دليل على ( مدعي ) السنة وذم البدعة في طريقتهم ، حتى يكون دليلا لنا من جهتهم على أهل البدع عموما ، وعلى المدعين في طريقهم خصوصا ، وبالله التوفيق .