الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وأما أنه يخشى عليه الفتنة :

                        فلما حكى عياض عن سفيان بن عيينة : أنه قال : " سألت مالكا عمن أحرم من المدينة وراء الميقات ؟ فقال : هذا مخالف لله ورسوله ، أخشى عليه الفتنة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة ، أما سمعت قوله تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ؟ ! وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يهل من المواقيت " .

                        وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار ، قال : " سمعت مالك بن أنس ، وأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ! من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة ، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد . فقال : لا تفعل ، قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر ، قال : لا تفعل; فإني أخشى عليك الفتنة ، فقال : وأي فتنة هذه ؟ ! إنما هي أميال أزيدها ، قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! إني سمعت الله يقول : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .

                        وهذه الفتنة التي ذكرها مالك رحمه الله تفسير الآية هي شأن أهل البدع وقاعدتهم التي يؤسسون عليها بنيانهم ، فإنهم يرون أن ما ذكره الله في كتابه وما سنه نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما اهتدوا إليه بعقولهم .

                        [ ص: 175 ] وفي مثل ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما روي عن ابن وضاح : " لقد هديتم لما لم يهتد له نبيكم ! وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة " ; إذ مر بقوم كان رجل يجمعهم ، يقول : رحم الله من قال كذا وكذا مرة : سبحان الله ، فيقول القوم . ويقول : رحم الله من قال كذا وكذا مرة : الحمد لله فيقول القوم .

                        ثم إن ما استدل به مالك من الآيات الكريمة نزلت في شأن المنافقين حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق ، وهم الذين كانوا يتسللون لواذا . وقد تقدم أن النفاق من أصله بدعة ، لأنه وضع بدعة في الشريعة على غير ما وضعها الله تعالى ، ولذلك لما أخبر تعالى عن المنافقين; قال : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) ، فمن حيث كانت عامة في المخالفين عن أمره يدخلون أيضا من باب أحرى .

                        فهذه جملة يستدل بها على ما بقي ، إذ ما تقدم من الآيات والأحاديث فيها مما يتعلق بهذا المعنى كثير ، وبسط معانيها طويل ، فلنقتصر على ما ذكرنا وبالله التوفيق .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية