والشرط الرابع : ـ وإن فرضناها صغيرة ـ فإن ذلك استهانة بها ، والاستهانة بالذنب أعظم من الذنب ، فكان ذلك سببا لعظم ما هو صغير ، وذلك أن الذنب له نظران : نظر من جهة رتبته في الشرط ، ونظر من جهة مخالفة الرب العظيم به ، فأما النظر الأول فمن ذلك الوجه يعد صغيرا إذا فهمنا من الشرع أنه صغير ، لأنا نضعه حيث وضعه الشرع ، وأما الآخر فهو راجع إلى اعتقادنا في العمل به حيث نستحرم جهة الرب سبحانه بالمخالفة ، والذي كان يجب في حقنا أن نستعظم [ ص: 558 ] ذلك جدا ، إذ لا فرق في التحقيق بين المواجهتين ـ المواجهة بالكبيرة ، والمواجهة بالصغيرة . أن لا يستصغرها ولا يستحقرها
والمعصية من حيث هي معصية لا يفارقها النظران في الواقع أصلا ، لأن تصورها موقوف عليهما ، فالاستعظام لوقوعها مع كونها يعتقد فيها أنها صغيرة لا يتنافيان ، لأنهما اعتباران من جهتين : فالعاصي وإن كان يعمل المعصية لم يقصد بتعمده الاستهانة بالجانب العلي الرباني ، وإنما قصد اتباع شهوته مثلا فيما جعله الشارع صغيرا أو كبيرا ، فيقع الإثم على حسبه ، كما أن البدعة لم يقصد بها صاحبها منازعة الشارع ولا التهاون بالشرع ، وإنما قصد الجري على مقتضاه ، لكن بتأويل زاده ورجحه على غيره ، بخلاف ما إذا تهاون بصغرها في الشرع فإنه إنما تهاون بمخالفة الملك الحق ، لأن النهي حاصل ومخالفته حاصلة ، والتهاون بها عظيم ، ولذلك يقال : لا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى عظمة من واجهته بها .
وفي الصحيح ، فقوله عليه الصلاة والسلام : فسيرضى به دليل على عظم الخطب فيما [ ص: 559 ] يستحقر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم الحج الأكبر ، قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ، لا يجني جان إلا على نفسه ، ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده ، ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا ، ولا تكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به
وهذا الشرط مما اعتبره في هذا المقام ، فإنه ذكر في الإحياء أن مما تعظم به الصغيرة أن يستصغرها . ( قال ) : فإن الذنب كلما استعظمه العبد من نفسه صغر عند الله ، وكلما استصغره كبر عند الله . ثم بين ذلك وبسطه . الغزالي
فإذا تحصلت هذه الشروط فإذ ذاك يرجى أن تكون صغيرتها صغيرة ، فإن تخلف شرط منها أو أكثر صارت كبيرة ، أو خيف أن تصير كبيرة ، كما أن المعاصي كذلك ، والله أعلم .