المثال الثالث : إن الخلفاء الراشدين قضوا بتضمين الصناع
إن الخلفاء الراشدين قضوا . قال علي ـ رضي الله عنه ـ : لا يصلح الناس إلا ذاك ، ووجه المصلحة فيه أن الناس لهم حاجة إلى الصناع ، وهم يغيبون عن الأمتعة في غالب الأحوال ، والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ ، فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم لأفضى ذلك إلى أحد أمرين : إما ترك الاستصناع بالكلية ، وذلك شاق على الخلق ، وإما أن يعملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع ، فتضيع الأموال ، ويقل الاحتراز ، وتتطرق الخيانة ، فكانت المصلحة التضمين . بتضمين الصناع
هذا معنى قوله : لا يصلح الناس إلا ذاك .
ولا يقال : إن هذا نوع من الفساد وهو تضمين البريء . إذ لعله ما أفسد ، ولا فرط ، فالتضمين مع ذلك كان نوعا من الفساد . لأنا نقول : إذا تقابلت المصلحة والمضرة فشأن العقلاء النظر إلى التفاوت ووقع التلف من الصناع من غير تسبب ولا تفريط بعيد ، والغالب الفوت فوت الأموال ، وأنها لا تستند إلى التلف السماوي ، بل ترجع إلى صنع العباد على المباشرة أو التفريط .
وفي الحديث :
[ ص: 617 ] تشهد له الأصول من حيث الجملة ، فإن لا ضرر ولا ضرار ، وقال : النبي صلى الله عليه وسلم نهى ( عن ) أن يبيع حاضر لباد
وقال : دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض حتى يهبط بالسلع ( إلى ) الأسواق لا تلقوا الركبان بالبيع وهو من باب ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، فتضمين الصناع من ذلك القبيل .