الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 356 ] قالوا : وقال أرميا النبي عن ولادته في ذلك الزمان : يقوم لداود ابن ، وهو ضوء النور يملك الملك ، ويعلم ويفهم ويقيم الحق والعدل في الأرض ، ويخلص من آمن به من اليهود ، من بني إسرائيل وغيرهم ويبقى بيت المقدس بغير مقاتل ، ويسمى الإله ، وأما قوله : ابن لداود لأن مريم كانت من نسل داود ، ولأجل ذلك قال : ( ويقوم لداود ابن ) .

والجواب أن يقال : قد قال فيه : ويخلص من آمن به من اليهود ، ومن بني إسرائيل . وهو كما فسرنا به التخليص الذي نقله عن عزرا الكاهن .

وأما قوله : واسمه الإله فهذا يدل على أنه ليس هو الله رب العالمين ، وإنما لفظ الإله اسم سمي به كما سمي موسى إلها [ ص: 357 ] لفرعون عندهم في التوراة ، إذ لو كان هو الله رب العالمين لكان أجل من أن يقال ويسمى الإله ، فإن الله تبارك وتعالى لا يعرف بمثل هذا ، ويقال فيه : إن الله يسمى الإله ، ولقال : يأتي الله بنفسه فيظهر . وقال : يملك الملك ، ورب العالمين ما زال ولا يزال مالكا للملك سبحانه .

وأيضا فإنه قال : يقوم لداود ابن هو ضوء النور ، ومعلوم أن الابن الذي من نسل داود الذي اسم أمه مريم هو الناسوت فقط ، فإن اللاهوت ليس هو من نسل البشر ، وقد تبين أن هذا الناسوت الذي هو ابن داود ، يسمى الإله ، فعلم أن هذا اسم للناسوت المخلوق لا للإله الخالق .

وأيضا فإنه قال : وهو ضوء النور لم يجعله النور نفسه ، ، بل جعله ضوء النور ، والله تعالى منور كل نور ، فكيف يكون هو ضوء النور ، والله تعالى قد سمى محمدا صلى الله عليه وسلم سراجا منيرا ، ولم يكن بذلك خالقا ، فكيف إذا سمي ضوء النور ؟

وأيضا فإنه لم يجعل القائم إلا ابن داود ، وابن داود مخلوق ، [ ص: 358 ] وأضاف الفعل إلى هذا المخلوق ، ولو كان هذا هو الله رب العالمين قد اتحد بالناسوت البشري لبين أرميا ، وغيره من الأنبياء ذلك بيانا قاطعا للعذر ، ولم يكتفوا بمثل هذه الألفاظ التي هي إما صريحة أو ظاهرة في نقيض ذلك ، أو مجملة لا تدل على ذلك ، فإنه من المعلوم أن إخبارهم بإتيان نبي من الأنبياء أمر معتاد ممكن ، ومع هذا يذكرون فيه من البشارات والدلائل الواضحة ما يزيل الشبهة .

وأما الإخبار بمجيء الرب نفسه وحلوله أو اتحاده بناسوت بشري فهو : إما ممتنع غير ممكن كما يقوله أكثر العقلاء من بني آدم ، ويقولون : يعلم بصريح العقل أن هذا ممتنع .

وإما ممكن كما يقوله بعض الناس ، وحينئذ فإمكانه خفي على أكثر العقلاء وهو أمر غير معتاد ، وإتيان الرب بنفسه أعظم من إتيان كل رسول ونبي ، لا سيما إذا كان إتيانه باتحاده ببشر لم يظهر على يديه من الآيات ما يختص بالإلهية ، بل لم يظهر على يديه إلا ما ظهر على يد غيره من الأنبياء ما هو مثله أو أعظم منه ، والله تعالى لما كان يكلم موسى ولم يكن موسى يراه ، ولا يتحد لا بموسى ولا بغيره ، ومع هذا فقد أظهر من الآيات على ذلك ، وعلى نبوة موسى ما لم يظهر مثله ولا قريب منه على يد المسيح .

فلو كان هو بذاته متحدا بناسوت بشري لكان الأنبياء يخبرون بذلك إخبارا صريحا بينا لا يحتمل التأويلات ، ولكان الرب يظهر على ذلك من الآيات ما لم يظهر على يد رسول ولا نبي ، فكيف والأنبياء [ ص: 359 ] لم ينطقوا في ذلك بلفظ صريح ، بل النصوص الصريحة تدل على أن المسيح مخلوق ولم تأت آية على خلاف ذلك ، بل إنما تدل الآيات على نبوة المسيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية