الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 360 ] قالوا : وقال أشعيا النبي : قل لصهيون هنا تفرح وتتهلل ، فإن الله يأتي ويخلص الشعوب ، ويخلص من آمن به وبشعبه ويخلص مدينة بيت المقدس ، ويظهر الله ذراعه الطاهر فيها لجميع الأمم المبددين ويجعلهم أمة واحدة ، ويبصرون جميع أهل الأرض من خلاص الله ، لأنه يمشي معهم وبين يديهم ، ويجمعهم إله إسرائيل .

فيقال : هذا محتاج أولا أن يعلم من هذه النبوة أن هذا الكلام نقل بلا تحريف للفظه ، ولا غلط في الترجمة ، ولم يثبت ذلك ، [ ص: 361 ] وإذا ثبت ذلك فحينئذ هو نظير ما في التوراة من قوله : ( جاء الله من طور سينا ، وأشرف من ساعير ، واستعلن من جبال فاران ) .

ومعلوم أنه ليس في هذا ما يدل على أن الله حال في موسى بن عمران ، ومتحد به ، ولا أنه حال في جبل فاران ، ولا أنه متحد بشيء من طور سينا ، ولا ساعير .

وكذلك هذا اللفظ لا يدل على أنه حال في المسيح ومتحد به ، إذ كلاهما سواء ، وإذا قيل : المراد بذلك قربه ودنوه كتكليم موسى ، وظهور نوره وهداه وكتابه ودينه ، ونحو ذلك من الأمور التي وقعت ، قيل : وهكذا في المسيح عليه السلام .

وقوله : ويظهر الله ذراعه الطاهر لجميع الأمم المبددين ، قد قال في التوراة مثل هذا في غير موضع ، ولم يدل ذلك على اتحاده بموسى عليه السلام .

وأما قوله عن الأمم المبددين : فيجعلهم أمة واحدة ، فهم الذين اتبعوا المسيح ، فإنهم كانوا متفرقين مبددين فجعلهم أمة واحدة .

وأما قوله : ويبصرون جميع أهل الأرض خلاص الله ، لأنه يمشي معهم وبين يديهم ، ويجمعهم إله إسرائيل ، فمثل هذا في التوراة في غير موضع ، ولم يدل ذلك على اتحاده بموسى ولا حلوله فيه ، كقوله في السفر الخامس من التوراة : يقول موسى لبني إسرائيل : لا تهابوهم [ ص: 362 ] ولا تخافوهم ، لأن الله ربكم السائر بين أيديكم هو يحارب عنكم .

وفي موضع قال موسى : إن الشعب هو شعبك ، فقال : أنا أمضي أمامك فارتحل ، فقال : إن لم تمض أنت أمامنا وإلا فلا تصعدنا من هاهنا ، وكيف أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت أمامك نعمة كذا إلا بسيرك معنا .

وفي السفر الرابع من الفصل الثالث عشر : إن أصعدت هؤلاء من بينهم بقدرتك ، فيقولون لأهل هذه الأرض الذين سمعوا أنك الله فيما بين هؤلاء القوم ، يرونه عينا بعين ، وغمامك يقيم عليهم ، وبعمود غمام يسير بين أيديهم نهارا ، وبعمود نار ليلا .

[ ص: 363 ] وفي التوراة أيضا : يقول الله لموسى : ( إني آت إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم مخاطبتي لك ) .

ثم قوله : اجمع سبعين رجلا من شيوخ بني إسرائيل وخذهم إلى خباء العرب يقفون معك حتى أخاطبهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية