الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 415 ] قالوا : ومثل هذا القول في كتب الله المنزلة على أفواه الأنبياء والرسل - شيء كثير عند النصارى جميعهم المختلفة ألسنتهم المفرقين في سبعة أقاليم العالم المتمسكين بدين النصرانية - قول واحد ونص واحد ، على ما تسلموه من الحواريين حين أنذروهم وردوهم عن عبادة الأصنام إلى معرفة الله تعالى ، سلموها إليهم ، كل أمة بلسانها ، وهي على هيئتها إلى يومنا هذا .

والجواب على هذا من وجوه :

أحدها : أن القول في سائر ما يذكرونه من النصوص كما تقدم وقد تكلم على هذا من تكلم عليه من علماء النصارى الذين هداهم الله ، وبينوا ما وقع في ذلك من تحريفهم لمعاني الكتب التي عندهم ، وذكروا مما عندهم من النصوص الصريحة بأن المسيح عبد الله ليس هو الله - ما يتبين به بطلان قولهم ، وأنهم ممن تركوا المحكم من الآيات واتبعوا المتشابه ، ولهذا أنزل الله فيهم :

فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب .

[ ص: 416 ] وهذا كقول المسيح - عليه السلام - لما سئل عن علم الساعة فقال : ( لا يعلمها إنسان ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب فقط ) فنفى عن نفسه علم الساعة ، وهذا يدل على شيئين : على أن اسم الابن إنما يقع على الناسوت دون اللاهوت ، فإن اللاهوت لا يجوز أن ينفى عنه علم الساعة ، ويدل على أن الابن لم يكن يعلم ما يعلمه الله ، وهذا يبطل قولهم بالاتحاد ، فإنه لو كان الاتحاد حقا كما يزعمون لكان الابن يعلم ما يعلمه الله ، ويقدر على ما يقدر عليه ، فإنه هو الله عندهم ، والناسوت لا يتميز عندهم عن اللاهوت فيما يوصف به المسيح من كونه عالما قادرا يحيي ويميت .

وقال المسيح لتلاميذه : ( آمنوا بالله وآمنوا بي ) وقال أيضا : ( من يؤمن بي فليس يؤمن بي فقط بل وبالذي أرسلني ) ، وهم يذكرون أن المسيح - عليه السلام - استصرخ الله قائلا : ( إلهي إلهي [ ص: 417 ] انظر لماذا تركتني وتباعدت عن خلاصي ) .

الوجه الثاني : أن قولهم : إن هذه الكتب التي بأيديهم من التوراة والإنجيل ، وسائر النبوات ؛ تسلموها من الحواريين كل أمة بلسانها ، وهي على هيئتها - قول لم يقيموا على صحته دليلا ، بل ادعوا ذلك دعوى مجردة .

ومثل هذا النقل إن لم يثبت بالتواتر لم يحتج به في المسائل العلمية ، لا سيما إذ قيل في الوجه الثالث : إن هذا كذب ظاهر ، فإن كثيرا من الألسنة ليس عند أهله إنجيلا قديما ، ومن ذلك لسان العرب ، فإن العرب النصارى كثيرون قبل الإسلام ، ولا تعرف توراة ولا إنجيلا ولا نبوات عربية ، إلا ما عرب من النسخ العبرية والرومية والسريانية ، ونحن نطالبهم بهذه الكتب التي هي بالعربية التي في زمن الحواريين أين هي ؟ ومن رآها ؟ ولو قدر أنها كانت بالعربية ، [ ص: 418 ] فهذه النسخ اليوم العربية الموجودة بأيدي الناس هي مما عرب مما بأيديهم ، وحينئذ فلا تعرف صحتها إن لم تعرف صحة الترجمة ، ويثبت نقل تلك عن المسيح عليه السلام ، وهكذا القول في سائر الألسن .

الوجه الرابع : أن التوراة والنبوات التي نقلت من نسخ اليهود والأناجيل هي أربعة كتب بعد المسيح عليه السلام ، اثنان ممن كتبها لم يريا المسيح ، وهما لوقا ، ومرقس ، واثنان رأياه ، وهما يوحنا ، ومتى .

والنسخ إنما كثرت عن الأربعة ، وما ينقله الأربعة لا يجب أن يكون متواترا معلوما ، وإذا كثرت الألسن بها فمن بعد الأربعة ، لا أن الذين سمعوها من المسيح عليه السلام تكلموا باثنين وسبعين لسانا ، فإن هذا لم يقله أحد ، ولا يقوله عاقل ، إذ الحواريون كانوا اثني عشر لم يكونوا اثنين وسبعين ، فإذا قيل : إنه نقلها اثنان [ ص: 419 ] وسبعون ، فهم نقلوها عمن نقلها إليهم من الحواريين ، وهم إنما يسندون نقلها إلى أربعة .

الوجه الخامس : أن الحواريين ليسوا معصومين ، بل يجوز على أحدهم الغلط في بعض ما ينقله ، وما ينقل من خوارقهم للعادات ، فمن الناس من يكذبه ، ومنهم من يصدقه ، ولا دلالة فيه على عصمتهم ، إلا أن يثبت أنهم ادعوا النبوة ، وأقاموا المعجزات الدالة على نبوتهم ، ولم يكن الأمر كذلك ، وإلا فالصالحون إذا كانت لهم كرامات لم تدل كراماتهم على أنهم معصومون كالأنبياء ، بل يجوز عليهم الغلط مع ثبوت كراماتهم .

والحواريون عندهم ليسوا بأنبياء ، وإن سموهم رسلا ، فهم رسل المسيح لا رسل الله تبارك وتعالى .

الوجه السادس : أن في هذه الكتب التي بأيديهم ما يناقض قولهم من الأقوال الصريحة الكثيرة ما هو أكثر وأصرح مما احتجوا به على قولهم .

والواجب حينئذ التمسك بالصريح المحكم ، ورد المتشابه إليه ، ولا يجوز التمسك بالمتشابه ، ورد المحكم إليه .

الوجه السابع : أنه بتقدير أن يكون في الأرض هذه الكتب باثنين وسبعين لسانا سواء كانت كلها منقولة عن الحواريين نقلا صحيحا ، [ ص: 420 ] أو كان نقل أكثرها أو أكثر منها مترجمة من لغة إلى لغة .

فمعلوم أنه بكل لسان عدة نسخ ، ولو لم يكن بها إلا لسان واحد مع كثرة النسخ بها في مشارق الأرض ومغاربها ، لم يمكن أحدا أن يقطع بأن جميع النسخ على لفظ واحد ونص واحد ، كما ادعاه هؤلاء في الاثنين وسبعين لسانا ، حيث قالوا :

( ومثل هذا القول في كتب الله المنزلة على أفواه الأنبياء والرسل كثير ، عند النصارى جميعهم المختلفة ألسنتهم المتفرقين في سبعة أقاليم العالم ، المتمسكين بدين النصرانية - قول واحد ونص واحد على ما تسلموه من الحواريين ، وردوهم عن عبادة الأصنام فسلموها إليهم كل أمة بلسانها ، وهي على هيئتها إلى يومنا هذا ) .

فإن هذا الكلام يتضمن عدة دعاوى ليس فيها ما يمكن قائله أن يكون عالما به ، فعلم أن هؤلاء تكلموا بهذا الكلام بلا علم ، بل بالجهل والضلال ، كما هو عادتهم ، فإنه يقال لهم : من الذي جمع كل نسخة في العالم من جميع التوراة والإنجيل والزبور وسائر النبوات الأربعة والعشرين بلسان واحد كالعربي مثلا ، وهل ميز جميع النسخ [ ص: 421 ] فلم يجد نسخة تزيد على نسخة ولا تنقص عنها ؟

ومعلوم إن كان هذا ممكنا أمكن أن يقال : جمعها جامع وغير بعض ألفاظها ، فلا يمكنهم دعوى بقائها بلا تغيير ، وإن لم يمكن ذلك لم يمكن أحدا أن يقول : أنا أعلم موافقة كل نسخة من نسخ هذه الكتب لكل نسخة توجد في سبعة أقاليم العالم بذلك اللسان ، فضلا عن اثنين وسبعين لسانا ، فضلا عن أن يقال : أنا أعلم أن هذه الألسن كلها تكلمت بها الحواريون ، وهي باقية على لفظهم إلى اليوم .

ومعلوم أن الإنسان إذا أمكنه جمع نسخ كتاب واحد من جميع الفنون من كتب الطب والحساب والهندسة والنحو والفقه والحديث ، كان إمكان تغيير بعض ألفاظ تلك النسخ أيسر عليهم من مقابلة ألفاظ كل نسخة بألفاظ تلك النسخ مثلها .

فإن هذا لا يقدر عليه في العادة ، بل هو متعذر أو متعسر ، ولا سيما والمقابلة إن كانت بين اثنين فكل منهما ينقل للآخر لفظ [ ص: 422 ] نسخته فيكون مدار المقابلة على خبر واحد ، لم يقترن بخبره ما يعلم به صدقه ، فقد يغلطان أو يكذبان جميعا .

وإن كانت بين عدد يحصل بهم العلم احتاجت كل نسخة بكل لسان إلى أن يشهد بلفظها جمع يحصل بهم العلم ، وأولئك بأعيانهم يشهدون بلفظ كل نسخة بكل لسان ، ويشهدون بلفظ كل نسخة ، ويشهد لهم من هو مثلهم بلفظ النسخة الأخرى ( وموافقتها لها ، وهؤلاء أو مثلهم بموافقة النسخة الثانية ) .

ومعلوم أن هذا لم يفعله أحد ، ولا يقدر عليه أحد ، بل لو اجتمع جميع ملوك النصارى على ذلك ( وعلماء بلادهم على ذلك ) لم يقدروا عليه ، فإن من النسخ ما هو عند المسلمين ، ومنها ما هو في بلاد لا حكم لهم عليها ، وأيضا فقد يكون في بلادهم من النسخ ما لم يظهرها أصحابها .

فكل من شهد من النصارى ، وغيرهم بأن كل نسخة في العالم بهذه الكتب توافق جميع النسخ فهو شاهد زور شهد بما لا يعلم ، بل شهد بما يعلم أنه كاذب فيه .

[ ص: 423 ] وكذلك لو شهد بمثل هذا لنسخ أي كتاب كان ، فإن العادة المعروفة أن نسخ الكتب تختلف ويزيد بعضها وينقص بعضها ، والقرآن المنقول بالتواتر لم يكن الاعتماد في نقله على نسخ المصاحف ، بل الاعتماد على حفظ أهل التواتر له في صدورهم .

ولهذا إذا وجد مصحف يخالف حفظ الناس أصلحوه ، وقد يكون في بعض نسخ المصاحف غلط ، فلا يلتفت إليه مع أن المصاحف التي كتبها الصحابة قد قيد الناس صورة الخط ورسمه ، وصار ذلك أيضا منقولا بالتواتر فنقلوا بالتواتر لفظ القرآن حفظا ، ونقلوا رسم المصاحف أيضا بالتواتر .

ونحن لا ندعي اتفاق جميع نسخ المصاحف كما لا ندعي أن كل من يحفظ القرآن لا يغلط ، بل ألفاظه منقولة بالتواتر حفظا ورسما فمن خرج عن ذلك علم الناس أنه غلط لمخالفته النقل المتواتر ، بخلاف هذه الكتب ، فإن النصارى لم يحفظوها كلها في قلوبهم تلقيا لها عن الحواريين حفظا منقولا بالتواتر ، بل لم يكن أحد منهم يحفظها كلها ، فضلا عن أن يحفظها كلها أهل التواتر ، فضلا عن أن يحفظ كل لسان منها من تواتر بهم ذلك اللسان .

[ ص: 424 ] وهذا أمر معلوم لجميع النصارى وغيرهم أنه لم يحفظها كلها بكل لسان من زمن الحواريين عدد التواتر ، بل ولا في زمن من الأزمان ، بل بعد انتشار النصارى ، وكثرتهم ، وتفرقهم في الأقاليم السبعة لا يكاد يوجد فيهم من يحفظها كلها عن قلبه ، كما يحفظ صبيان مكاتب المسلمين القرآن ، فكيف يحفظها في كل زمان أهل التواتر ؟ فكيف يحفظ كل لسان من الاثنين وسبعين أهل التواتر ؟

وإذا كان اعتمادهم إنما هو على الكتب ، وهم لا يمكنهم معرفة اتفاق جميع النسخ بلسان واحد فضلا عن جميع الألسنة ، علم أن دعواهم أنها لم تزل متفقة على نص واحد ولفظ واحد ، وأن جميع نسخها متفقة في هذا الزمان ، وفيما قبله - كلام مجازف يتكلم بلا علم ، بل يتكلم بما يعلم أنه باطل .

الوجه الثامن : أن هذا لو قدر إمكانه ، فإنما يكون منقولا لو لم يعلم أنه كذب فكيف مع العلم بأنه كذب ؟ فإنه يوجد في هذا الزمان نسخ التوراة والإنجيل والزبور والنبوات مختلفة متناقضة .

والنسخ التي عند النصارى مختلفة ، وهي أيضا تخالف نسخ اليهود والسامرة في مواضع ، وحينئذ فإذا قالت النصارى : نسخنا هي الصحيحة - لم يكن هذا أولى من قول اليهود : نسخنا هي الصحيحة .

بل معلوم أن اعتناء اليهود بالتوراة أعظم من اعتناء النصارى ، ( ثم بعد هذا ، ما ذكروه لا يكفي إن لم يعلم أن نسخهم توافق النسخ التي عند اليهود حتى السامرة ، وهذا غير معلوم ) .

وإن قالوا : إذا خالف نقل اليهود لنقل الحواريين - لم يلتفت إليه [ ص: 425 ] لأنهم معصومون . كل هذا مبني على دعوى عصمتهم ، وقد عرف فساده ، وإذا قالت النصارى : نحن ننقلها عن الحواريين المعصومين ، قالت اليهود : نحن ننقلها عن موسى المعصوم باتفاق أهل الملل ، أو عن العارف المعصوم باتفاق اليهود والنصارى ، وكثير من المسلمين ، فالتوراة باتفاق الخلق مأخوذة عن موسى بن عمران وهو معصوم ، وإنما يطعن من يطعن في نقل بعضها لانقطاع التواتر في أثناء المدة لما خرب بيت المقدس ، ولم يبق فيه ساكن ، أكثر من سبعين سنة ، فيقول بعض الناس : إن بعض ألفاظها غير حينئذ ، ويقول بعضهم : لم تغير ألفاظ جميع النسخ ، وإنما غير ألفاظ بعض النسخ ، وانتشرت النسخ المغيرة عند كثير من الناس حتى لا يعرفوا غيرها .

ثم بنو إسرائيل لم يزل فيهم نبي بعد نبي حتى جاء المسيح ، وبعد المسيح فلم يزالوا خلقا كثيرا لا يمكن تواطؤهم في مشارق الأرض ومغاربها على تغيير نسخ التوراة ، بخلاف الإنجيل فإنه إنما نقله أربعة ، ومن كتب التوراة والزبور والنبوات من أتباع المسيح ، فإنما كتبوها من النسخ التي كانت بأيدي اليهود .

[ ص: 426 ] وإذا قالوا : كانوا معصومين ، فهذا ممنوع عند المسلمين واليهود ، وعلى تقدير تسليمه فاليهود ينقلونها أيضا عن المعصوم قبل هؤلاء ، فلا يمكن مع هذا أن يدعي مدع أن النبوات التي عند النصارى تواترت عن المعصوم أعظم من تواتر ما عند اليهود ، بل لا يشك العقلاء العادلون أن نقل حروف التوراة أصح من نقل حروف الإنجيل .

وهذا أمر يعرف من وجوه متعددة فإن التوراة أخذت عن المعصوم باتفاق أهل الملل ، وكانت منقولة قبلالمسيح بين الأنبياء وبين بني إسرائيل أعظم من نقل الإنجيل ، وبعد المسيح نقلها اليهود ، والنصارى .

وإذا كان كذلك ، فإذا وجد ما عند اليهود والسامرة من نسخ النبوات يخالف ما عند النصارى في بعض الألفاظ - كان هذا دليلا على أن هذه الكتب ليست ألفاظها منقولة عن نص واحد ، وأنه ليس كل لفظ من ألفاظها متواترا ، والله أعلم .

[ ص: 427 ] الوجه التاسع : أن جميع ما عندهم من النصوص الصحيحة لا يدل على مذهبهم ألبتة نصا ، بل غاية ما يدعون فيها الظهور ، وهم منازعون في ذلك حتى يقال : بل الظاهر فيما يحتجون به خلاف قولهم .

ومعلوم أن أصول الإيمان التي يؤمن أهل الإيمان بها ، ويكفرون من خالفها - لا بد أن تكون معلومة عندهم عن الأنبياء ، والعلم لا يحصل بلفظ محتمل ، فعلم أنه لا علم عندهم عن الأنبياء عليهم السلام ، وهو محل النزاع .

الوجه العاشر : أن أصرح ما عندهم من التثليث ، هو قوله : ( عمدوا الناس باسم الأب والابن وروح القدس ) ، وعلى هذا القول بنوا قولهم بالتثليث ، وأثبتوا لله ثلاثة أقانيم .

ولفظ الأقانيم لم ينطق به أحد من الأنبياء ، ولا أحد من الحواريين باتفاقهم ، بل هو مما ابتدعوه ، قيل : إنه لفظ رومي معناه : الأصل ، ثم أقنوم الابن تارة يقولون : " هو علم الله " ، وتارة يقولون : " هو حكمة الله " ، وتارة يقولون : " هو كلمة الله " ، وتارة يقولون : " هو نطق الله " ، [ ص: 428 ] وروح القدس تارة يقولون : " هو حياة الله " وتارة يقولون : " هو قدرة الله " .

والكتب المنقولة عن الأنبياء عندهم ليس فيها تسمية شيء من صفات الله لا باسم ابن ولا باسم روح القدس ، فلا يوجد أن أحدا من الأنبياء سمى علم الله وحكمته وكلامه - ابنا ، ولا سمى حياة الله أو قدرته روح القدس ، بل روح القدس في كلام الأنبياء يراد بها معنى ليس هو حياة الله ، كما يراد بها ملك الله أو ما ينزله في قلوب الأنبياء والصالحين من هداه ونوره وتأييده ، ونحو ذلك .

وإذا كان كذلك ، علم أن ما فسروا به قول المسيح عليه السلام : ( عمدوا الناس باسم الأب والابن وروح القدس ) - كذب صريح عليه ، وكذلك ما فسروا به كلام الأنبياء من إثبات الأقانيم الثلاثة كذب صريح عليهم ، كقولهم إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ، أرادوا به إثبات ثلاثة آلهة ، فإن هذا مما يعلم بالضرورة ضلالهم فيه وافتراؤهم على الأنبياء ، ويعلم أن إله الثلاثة هو إله واحد ليس إله إبراهيم إلها آخر غير إله إسحاق حتى لو قيل بالأقانيم ، فلا يقول عاقل : إن أحد الأقانيم إله هذا ، والأقنوم الآخر إله الآخر ، فإن هذا [ ص: 429 ] لم يقله أحد من العقلاء لا النصارى ، ولا غيرهم ، لا يقولون : إن الأب إله إبراهيم مثلا ، والابن إله إسحاق ، وروح القدس إله يعقوب ، بل هم متفقون مع قولهم بالتثليث أن الجميع إله واحد لجميع المرسلين ، ليس إله هذا أقنوما وإله الآخر أقنوما آخر ، فعلم أن ما يفسرون به كلام الأنبياء كذب ، لا يصح لا على تثليثهم الذي ابتدعوه ، ولا قول أهل التوحيد المتبعين لرسل الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية