[ ص: 436 ] وأما قولكم : على ما تسلموها هم من السنة الجديدة المختارة هي السنة التي تسلمناها من يدي الرسل الأطهار ، المسيح عليه السلام .
فيقال : لو كنتم على تلك السنة لم تغيروها ، لم ينفعكم المقام عليها إذا كذبتم الرسول النبي الأمي الذي بعث إليكم وإلى سائر الخلق بسنة أخرى أكمل من السنن التي كانت قبله ، كما لم ينفع اليهود ، ولو تمسكوا بسنة التوراة ، ولم يتبعوا سنة المسيح الذي أرسل إليهم ، بل من كذب برسول واحد فهو كافر .
كما قال تعالى :
إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا .
[ ص: 437 ] فإنه ، وإن كانت السنة التي جاء بها المسيح عليه السلام حقا ، وكل من كان متبعا له فهو مؤمن مسلم من أولياء الله ، من أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، كما قال تعالى :
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وقال تعالى :
كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين .
فمن اتبع المسيح كان مؤمنا ، ومن كفر به كان كافرا .
وقال تعالى :
ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ( 55 ) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ( 56 ) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين .
[ ص: 438 ] لكن غيرتموها وبدلتموها قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، ( فصرتم كفارا بتبديل شريعة المسيح ، وتكذيب شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ) ، كما كفرت اليهود بتبديل شريعة التوراة ، وتكذيب شريعة الإنجيل ، ثم كفروا بتكذيب شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى سائر رسل الله أجمعين .
فإن المسيح لم يسن لكم التثليث والقول بالأقانيم ، ولا القول بأنه رب العالمين ، ولا سن لكم استحلال الخنزير وغيره من المحرمات ، ولا ترك الختان ، ولا الصلاة إلى المشرق ، ولا اتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، ولا الشرك واتخاذ التماثيل والصليب ، ودعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والصالحين وغيرهم ، وسؤالهم الحوائج ، ولا الرهبانية ، وغير ذلك من المنكرات التي أحدثتموها ، ولم يسنها لكم المسيح ، ولا ما أنتم عليه هي السنة التي تسلمتموها من رسل المسيح .
بل عامة ، كصومكم خمسين يوما زمن الربيع ، واتخاذكم عيدا يوم الخميس والجمعة والسبت ، فإن هذا لم يسنه ما أنتم عليه من السنن أمور محدثة مبتدعة بعد الحواريين المسيح ولا أحد من الحواريين ، وكذلك عيد الميلاد والغطاس ، وغير ذلك من أعيادكم .
بل عيد الصليب إنما ابتدعته ( هيلانة ) الحرانية القندقانية [ ص: 439 ] أم قسطنطين ، فأنتم تقولون : إنها هي التي أظهرت الصليب وصنعت لوقت ظهوره عيدا ، وذلك بعد المسيح والحواريين بمدة طويلة زمن الملك قسطنطين بعد المسيح بأكثر من ثلاثمائة سنة .
وفي ذلك الزمان أحدثتم الأمانة لنصوص الأنبياء في غير موضع ، وأظهرتم استحلال الخنزير وعقوبة من لم يأكله ، وابتدعتم في ذلك الزمان تعظيم الصليب ، وغير ذلك من بدعكم ، وكذلك كتب القوانين التي عندكم جعلتموها سنة وشريعة فيها شيء عن الأنبياء والحواريين ، وكثير مما فيها ابتدعه من بعدهم لا ينقلونه لا عن المسيح ولا عن الحواريين ، المسيح عليه السلام وهذا مما يعلم بالاضطرار والتواتر أنه كذب بين . فكيف تدعون أنكم على السنة والشريعة التي كان عليها