الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 436 ] وأما قولكم : السنة الجديدة المختارة هي السنة التي تسلمناها من يدي الرسل الأطهار ، على ما تسلموها هم من المسيح عليه السلام .

فيقال : لو كنتم على تلك السنة لم تغيروها ، لم ينفعكم المقام عليها إذا كذبتم الرسول النبي الأمي الذي بعث إليكم وإلى سائر الخلق بسنة أخرى أكمل من السنن التي كانت قبله ، كما لم ينفع اليهود ، ولو تمسكوا بسنة التوراة ، ولم يتبعوا سنة المسيح الذي أرسل إليهم ، بل من كذب برسول واحد فهو كافر .

كما قال تعالى :

إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا .

[ ص: 437 ] فإنه ، وإن كانت السنة التي جاء بها المسيح عليه السلام حقا ، وكل من كان متبعا له فهو مؤمن مسلم من أولياء الله ، من أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، كما قال تعالى :

إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

وقال تعالى :

كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين .

فمن اتبع المسيح كان مؤمنا ، ومن كفر به كان كافرا .

وقال تعالى :

ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ( 55 ) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ( 56 ) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين .

[ ص: 438 ] لكن غيرتموها وبدلتموها قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، ( فصرتم كفارا بتبديل شريعة المسيح ، وتكذيب شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ) ، كما كفرت اليهود بتبديل شريعة التوراة ، وتكذيب شريعة الإنجيل ، ثم كفروا بتكذيب شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى سائر رسل الله أجمعين .

فإن المسيح لم يسن لكم التثليث والقول بالأقانيم ، ولا القول بأنه رب العالمين ، ولا سن لكم استحلال الخنزير وغيره من المحرمات ، ولا ترك الختان ، ولا الصلاة إلى المشرق ، ولا اتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، ولا الشرك واتخاذ التماثيل والصليب ، ودعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والصالحين وغيرهم ، وسؤالهم الحوائج ، ولا الرهبانية ، وغير ذلك من المنكرات التي أحدثتموها ، ولم يسنها لكم المسيح ، ولا ما أنتم عليه هي السنة التي تسلمتموها من رسل المسيح .

بل عامة ما أنتم عليه من السنن أمور محدثة مبتدعة بعد الحواريين ، كصومكم خمسين يوما زمن الربيع ، واتخاذكم عيدا يوم الخميس والجمعة والسبت ، فإن هذا لم يسنه المسيح ولا أحد من الحواريين ، وكذلك عيد الميلاد والغطاس ، وغير ذلك من أعيادكم .

بل عيد الصليب إنما ابتدعته ( هيلانة ) الحرانية القندقانية [ ص: 439 ] أم قسطنطين ، فأنتم تقولون : إنها هي التي أظهرت الصليب وصنعت لوقت ظهوره عيدا ، وذلك بعد المسيح والحواريين بمدة طويلة زمن الملك قسطنطين بعد المسيح بأكثر من ثلاثمائة سنة .

وفي ذلك الزمان أحدثتم الأمانة لنصوص الأنبياء في غير موضع ، وأظهرتم استحلال الخنزير وعقوبة من لم يأكله ، وابتدعتم في ذلك الزمان تعظيم الصليب ، وغير ذلك من بدعكم ، وكذلك كتب القوانين التي عندكم جعلتموها سنة وشريعة فيها شيء عن الأنبياء والحواريين ، وكثير مما فيها ابتدعه من بعدهم لا ينقلونه لا عن المسيح ولا عن الحواريين ، فكيف تدعون أنكم على السنة والشريعة التي كان عليها المسيح عليه السلام وهذا مما يعلم بالاضطرار والتواتر أنه كذب بين .

التالي السابق


الخدمات العلمية