الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 457 ] قالوا : نذكر خامسا ، وفي السفر الثاني من التوراة : وكلم الله موسى من العليقة قائلا : ( أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ) ، ولم يقل أنا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، بل كرر اسم الإله ثلاث دفوع قائلا : أنا إله وإله ؛ لتحقق مسألة الثلاث أقانيم في لاهوته .

والجواب : أن الاحتجاج بهذا على الأقانيم الثلاثة من أفسد الأشياء ، وذلك يظهر من وجوه :

أحدها : أنه لو أريد بلفظ الإله أقنوم الوجود ، وبلفظ الإله مرة ثانية أقنوم الكلمة ، وبالثالث أقنوم الحياة ، لكان الأقنوم الواحد إله إبراهيم ، والأقنوم الثاني إله إسحاق ، والأقنوم الثالث إله يعقوب ، فيكون [ ص: 458 ] كل من الأقانيم الثلاثة إله أحد الأنبياء الثلاثة ، والأقنومين ليسا بإلهين له .

وهذا كفر عندهم ، وعند جميع أهل الملل ، وأيضا فيلزم من ذلك أن يكون الآلهة ثلاثة ، وهم يقولون : إله واحد ، ثم هم إذا قالوا : كل من الأقانيم إله واحد ، فيجعلون الجميع إله كل نبي ، فإذا احتجوا بهذا النص على قولهم لزم أن يكون إله كل نبي ، ليس هو إله النبي الآخر ، مع كون الآلهة ثلاثة .

الوجه الثاني : أنه يقال : إن الله رب العالمين ، ورب السماوات ورب الأرض ورب العرش ورب كل شيء ، أفيلزم أن يكون رب السماوات ليس هو رب الأرض ، رب كل شيء .

وكذلك يقال : إله موسى وإله محمد ، مع قولنا : إله إبراهيم وإسحاق ، ويعقوب ، ( أفتكون الآلهة خمسة ، وقد قال يعقوب لبنيه : ( ما تعبدون من بعدي ) ، قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق .

[ ص: 459 ] أفتراه أثبت إلهين : أحدهما إلهه ، والآخر إله الثلاثة ؟ !

الوجه الثالث : أن العطف يكون تارة لتغاير الذوات ، وتارة لتغاير الصفات كقوله تعالى :

سبح اسم ربك الأعلى ( 1 ) الذي خلق فسوى ( 2 ) والذي قدر فهدى ( 3 ) والذي أخرج المرعى ( 4 ) فجعله غثاء أحوى .

والذي خلق هو الذي قدر وأخرج ، وكذلك قوله :

إلهك وإله آبائك .

وهو هو سبحانه ، وقال إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه لقومه :

قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ( 75 ) أنتم وآباؤكم الأقدمون ( 76 ) فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ( 77 ) الذي خلقني فهو يهدين ( 78 ) والذي هو يطعمني ويسقين ( 79 ) وإذا مرضت فهو يشفين ( 80 ) والذي يميتني ثم يحيين ( 81 ) والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين

والذي خلقه هو الذي يطعمه ويسقيه ، وهو الذي يميته ثم يحييه .

[ ص: 460 ] فقوله في التوراة : إله إبراهيم وإله إسحاق ، وإله يعقوب ، هو من هذا الباب ، ولا يختص هذا بثلاثة ، بل يقال في الاثنين والأربعة والخمسة بحسب ما يقصد المتكلم ذكره من الصفات ، وفي هذا من الفائدة ما ليس في قوله : إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فإنه لو قيل ذلك لم يفد إلا أنه معبود الثلاثة ، لا يدل على أنهم عبدوه مستقلين ، كل منهم عبده عبادة اختص بها ، لم تكن هي نفس عبادة الأول .

وأيضا فإنه إذا قيل : إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب دل على عبادة كل منهم باللزوم ، وإذا قال : وإله ، دل على أنه معبود كل من الثلاثة ، فأعاده باسم الإله الذي يدل على العبادة دلالة باللفظ المتضمن لها ، وفي ذلك من ظهور المعنى للسامع وتفرعه بصورة له من غير فكر - ما ليس في دلالة الملزوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية