[ ص: 457 ] قالوا : نذكر خامسا ، وفي السفر الثاني من التوراة : وكلم الله موسى من العليقة قائلا : إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ) ، ولم يقل أنا إله ( أنا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، بل كرر اسم الإله ثلاث دفوع قائلا : أنا إله وإله ؛ لتحقق مسألة الثلاث أقانيم في لاهوته .
والجواب : أن الاحتجاج بهذا على الأقانيم الثلاثة من أفسد الأشياء ، وذلك يظهر من وجوه :
أحدها : أنه لو أريد بلفظ الإله أقنوم الوجود ، وبلفظ الإله مرة ثانية أقنوم الكلمة ، وبالثالث أقنوم الحياة ، لكان الأقنوم الواحد إله إبراهيم ، والأقنوم الثاني إله إسحاق ، والأقنوم الثالث إله يعقوب ، فيكون [ ص: 458 ] كل من الأقانيم الثلاثة إله أحد الأنبياء الثلاثة ، والأقنومين ليسا بإلهين له .
وهذا كفر عندهم ، وعند جميع أهل الملل ، وأيضا فيلزم من ذلك أن يكون الآلهة ثلاثة ، وهم يقولون : إله واحد ، ثم هم إذا قالوا : كل من الأقانيم إله واحد ، فيجعلون الجميع إله كل نبي ، فإذا احتجوا بهذا النص على قولهم لزم أن يكون إله كل نبي ، ليس هو إله النبي الآخر ، مع كون الآلهة ثلاثة .
الوجه الثاني : أنه يقال : إن الله رب العالمين ، ورب السماوات ورب الأرض ورب العرش ورب كل شيء ، أفيلزم أن يكون رب السماوات ليس هو رب الأرض ، رب كل شيء .
وكذلك يقال : إله موسى وإله محمد ، مع قولنا : إله إبراهيم وإسحاق ، ويعقوب ، ( أفتكون الآلهة خمسة ، وقد قال يعقوب لبنيه : ( ما تعبدون من بعدي ) ، قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق .
[ ص: 459 ] أفتراه أثبت إلهين : أحدهما إلهه ، والآخر إله الثلاثة ؟ !
الوجه الثالث : أن العطف يكون تارة لتغاير الذوات ، وتارة لتغاير الصفات كقوله تعالى :
سبح اسم ربك الأعلى ( 1 ) الذي خلق فسوى ( 2 ) والذي قدر فهدى ( 3 ) والذي أخرج المرعى ( 4 ) فجعله غثاء أحوى .
والذي خلق هو الذي قدر وأخرج ، وكذلك قوله :
إلهك وإله آبائك .
وهو هو سبحانه ، وقال إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه لقومه :
قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ( 75 ) أنتم وآباؤكم الأقدمون ( 76 ) فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ( 77 ) الذي خلقني فهو يهدين ( 78 ) والذي هو يطعمني ويسقين ( 79 ) وإذا مرضت فهو يشفين ( 80 ) والذي يميتني ثم يحيين ( 81 ) والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين
والذي خلقه هو الذي يطعمه ويسقيه ، وهو الذي يميته ثم يحييه .
[ ص: 460 ] فقوله في التوراة : إله إبراهيم وإله إسحاق ، وإله يعقوب ، هو من هذا الباب ، ولا يختص هذا بثلاثة ، بل يقال في الاثنين والأربعة والخمسة بحسب ما يقصد المتكلم ذكره من الصفات ، وفي هذا من الفائدة ما ليس في قوله : إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فإنه لو قيل ذلك لم يفد إلا أنه معبود الثلاثة ، لا يدل على أنهم عبدوه مستقلين ، كل منهم عبده عبادة اختص بها ، لم تكن هي نفس عبادة الأول .
وأيضا فإنه إذا قيل : إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب دل على عبادة كل منهم باللزوم ، وإذا قال : وإله ، دل على أنه معبود كل من الثلاثة ، فأعاده باسم الإله الذي يدل على العبادة دلالة باللفظ المتضمن لها ، وفي ذلك من ظهور المعنى للسامع وتفرعه بصورة له من غير فكر - ما ليس في دلالة الملزوم .