الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 454 ] قالوا : نذكر رابعا ، وقال في المزمور الثاني : ( الذي قال لي : أنت ابني وأنا اليوم ولدتك ) .

والجواب من وجوه :

أحدها : أن هذا ليس فيه تسمية صفات الله - علمه وحياته - ابنا ، ولا فيه ذكر الأقانيم الثلاثة ، فليس فيه حجة لشيء مما تدعونه .

والثاني : أن هذا حجة عليهم ، فإنه هو سمى داود ابنه ، فعلم أن اسم الابن ليس مختصا بالمسيح عليه السلام ، بل سمى غيره من عباده ابنا ، فعلم أن اسم الابن ليس اسما لصفاته ، بل هو اسم لمن رباه من عبيده .

[ ص: 455 ] وحينئذ فلا تكون تسمية المسيح ابنا لكون الرب أو صفته اتحدت به ، بل كما سمى داود ابنا ، وكما سمى إسرائيل ابنا فقال : ( أنت ابني بكري ) .

وهذا في كتبهم ، كما ذكر ، ( فإن كان ما في كتبهم قول الله فلا حجة فيه ، لأنه أراد المربى ، وإن لم يكن قول الله ورسله ) فلا حجة فيه ، لأن قول غير المعصوم ليس بحجة .

الثالث : أن قوله : ( وأنا اليوم ولدتك ) يدل على حدوث هذا الفعل ، وعندهم تولد الكلمة التي يسمونها الابن من الأب قديم أزلي ، كما قالوا في أمانتهم ( وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد ، المولود من الأب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه ، مولود غير مخلوق ، مساو الأب في الجوهر الذي به كان كل شيء ) .

فهذا الابن عندهم مولود من الأب قبل كل الدهور ، وذاك ولد [ ص: 456 ] في يوم خاطبه بعد خلق داود فلم يكن في هذا المحدث دليل على وجود ذلك القديم .

الوجه الرابع : أنه إذا كان الأب في لغتهم هو الرب الذي يربي عبده ، أعظم مما يربي الأب ابنه ، كان معنى لفظ الولادة مما يناسب معنى هذه الأبوة ، فيكون المعنى : اليوم جعلتك مرحوما مصطفى مختارا .

والنصارى قد يجعلون الخطاب الذي هو ضمير لغير المسيح ، يراد به المسيح ، فقد يقولون : المراد بهذا المسيح ، وهذا باطل لا يدل اللفظ عليه ، وبتقدير صحته ، فهو يدل على أن المسيح هو الناسوت المخلوق ، وهو المسمى بالابن ، لقوله ( وأنا اليوم ولدتك ) .

واللاهوت عندهم مولود من قبل الدهور ، وحينئذ فإن كان المراد به يوم ولادته ، فالمعنى خلقتك ، وإن كان يوم اصطفاه ، فالمراد اليوم اصطفيتك وأحببتك ، كأنه قال : اليوم جعلتك ولدا وابنا ، على لغتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية