الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 278 ] وقال : دانيال النبي - أيضا - : " سألت الله وتضرعت إليه أن يبين لي ما يكون من بني إسرائيل ، وهل يتوب عليهم ويرد إليهم ملكهم ويبعث فيهم الأنبياء ، أو يجعل ذلك في غيرهم " قال : دانيال : " فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه ، فقال : السلام عليك يا دانيال ، إن الله تعالى يقول : إن بني إسرائيل أغضبوني وتمردوا علي وعبدوا من دوني آلهة أخرى ، وصاروا من بعد العلم إلى الجهل ، ومن بعد الصدق إلى الكذب ، فسلطت عليهم بخت نصر فقتل رجالهم وسبى ذراريهم ، وهدم بيت مقدسهم ، وحرق كتبهم ، وكذلك فعل من بعده بهم ، وأنا غير راض عنهم ولا مقيلهم عثراتهم ، فلا يزالون من سخطي حتى أبعث مسيحي ابن العذراء البتول فأختم [ ص: 279 ] عليهم عند ذلك باللعن والسخط ، فلا يزالون ملعونين ، عليهم الذلة والمسكنة حتى أبعث نبي بني إسماعيل ، الذي بشرت به هاجر ، وأرسلت إليها ملاكي فبشرها ، فأوحي إلى ذلك النبي ، وأعلمه الأسماء ، وأزينه بالتقوى ، وأجعل البر شعاره  ، والتقوى ضميره ، والصدق قوله ، والوفاء طبيعته ، والقصد سيرته ، والرشد سنته ، أخصه بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتب ، وناسخ لبعض ما فيها ، أسري به إلي وأرقيه من سماء إلى سماء حتى يعلو ، فأدنيه وأسلم عليه وأوحي إليه ، ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة ، حافظا لما استودع ، صادعا بما أمر ، يدعو إلى توحيدي باللين من القول والموعظة ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، رءوف بمن والاه ، رحيم بمن آمن به ، خشن على من عاداه ، فيدعو قومه إلى [ ص: 280 ] توحيدي وعبادتي ، ويخبرهم بما رأى من آياتي ، فيكذبونه ويؤذونه .

قال الناقل لهذه البشارة : قالوا : ثم سرد دانيال قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا مما أملاه عليه الملك ، حتى وصل آخر أيام أمته بالنفخة وانقضاء الدنيا ، ونبوته كثيرة ، وهي الآن في أيدي النصارى واليهود يقرءونها .

ومهما وصفنا مما ذكره الله من وصف هذه الأمة ونبيها ، واتصال مملكتهم بالقيامة - قلت : فهذه نبوة دانيال فيها البشارة بالمسيح ، والبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وفيها من وصف محمد [ ص: 281 ] وأمته  بالتفصيل ما يطول وصفه ، وقد قرأها المسلمون لما فتحوا العراق ، كما ذكر ذلك العلماء ، منهم أبو العالية : ذكر أنهم لما فتحوا ( تستر ) وجدوا دانيال ميتا ، ووجدوا عنده مصحفا .

قال أبو العالية : أنا قرأت ذلك المصحف ، وفيه صفتكم ولحون كلامكم ، وكان أهل الناحية إذا أجدبوا كشفوا عن قبره فيسقون ، فكتب أبو موسى في ذلك إلى عمر بن الخطاب .

[ ص: 282 ] فكتب إليه عمر : " أن احفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا ، وادفنه بالليل في واحد منها ; لئلا يفتن الناس به " .

التالي السابق


الخدمات العلمية