[ ص: 278 ] وقال : دانيال النبي - أيضا - : " سألت الله وتضرعت إليه أن يبين لي ما يكون من بني إسرائيل ، وهل يتوب عليهم ويرد إليهم ملكهم ويبعث فيهم الأنبياء ، أو يجعل ذلك في غيرهم " قال : دانيال : " فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه ، فقال : السلام عليك يا دانيال ، إن الله تعالى يقول : إن بني إسرائيل أغضبوني وتمردوا علي وعبدوا من دوني آلهة أخرى ، وصاروا من بعد العلم إلى الجهل ، ومن بعد الصدق إلى الكذب ، فسلطت عليهم بخت نصر فقتل رجالهم وسبى ذراريهم ، وهدم بيت مقدسهم ، وحرق كتبهم ، وكذلك فعل من بعده بهم ، وأنا غير راض عنهم ولا مقيلهم عثراتهم ، فلا يزالون من سخطي حتى أبعث مسيحي ابن العذراء البتول فأختم [ ص: 279 ] عليهم عند ذلك باللعن والسخط ، فلا يزالون ملعونين ، عليهم الذلة والمسكنة حتى أبعث نبي بني إسماعيل ، الذي بشرت به هاجر ، ، والتقوى ضميره ، والصدق قوله ، والوفاء طبيعته ، والقصد سيرته ، والرشد سنته ، أخصه بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتب ، وناسخ لبعض ما فيها ، أسري به إلي وأرقيه من سماء إلى سماء حتى يعلو ، فأدنيه وأسلم عليه وأوحي إليه ، ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة ، حافظا لما استودع ، صادعا بما أمر ، يدعو إلى توحيدي باللين من القول والموعظة ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، رءوف بمن والاه ، رحيم بمن آمن به ، خشن على من عاداه ، فيدعو قومه إلى [ ص: 280 ] توحيدي وعبادتي ، ويخبرهم بما رأى من آياتي ، فيكذبونه ويؤذونه . وأرسلت إليها ملاكي فبشرها ، فأوحي إلى ذلك النبي ، وأعلمه الأسماء ، وأزينه بالتقوى ، وأجعل البر شعاره
قال الناقل لهذه البشارة : قالوا : ثم سرد دانيال قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا مما أملاه عليه الملك ، حتى وصل آخر أيام أمته بالنفخة وانقضاء الدنيا ، ونبوته كثيرة ، وهي الآن في أيدي النصارى واليهود يقرءونها .
ومهما وصفنا مما ذكره الله من وصف هذه الأمة ونبيها ، واتصال مملكتهم بالقيامة - قلت : فهذه دانيال فيها البشارة بالمسيح ، والبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وفيها من وصف محمد [ ص: 281 ] وأمته بالتفصيل ما يطول وصفه ، وقد قرأها المسلمون لما فتحوا نبوة العراق ، كما ذكر ذلك العلماء ، منهم : ذكر أنهم لما فتحوا ( أبو العالية تستر ) وجدوا دانيال ميتا ، ووجدوا عنده مصحفا .
قال : أنا قرأت ذلك المصحف ، وفيه صفتكم ولحون كلامكم ، وكان أهل الناحية إذا أجدبوا كشفوا عن قبره فيسقون ، فكتب أبو العالية أبو موسى في ذلك إلى . عمر بن الخطاب
[ ص: 282 ] فكتب إليه : " أن احفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا ، وادفنه بالليل في واحد منها ; لئلا يفتن الناس به " . عمر