[ ص: 231 ] وأما ففي الصحيحين تكثير الطعام قال : لما حفر جابر الخندق رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا ، فانكفأت إلى امرأتي ، فقلت لها : هل عندك شيء ؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا . فأخرجت لي جرابا فيه صاع من شعير ، ولنا بهيمة داجن ، قال : فذبحت وطحنت ففرغت إلي فراغي ، فقطعتها في برمتها ، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه . قال : فجئت فساررته ، فقلت : يا رسول الله ، إنا [ ص: 232 ] ذبحنا بهيمة لنا ، وطحنت صاعا من شعير عندنا ، فتعال أنت ونفر معك ، فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا أهل الخندق إن قد صنع لكم سورا ، فحي هلا بكم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تنزلن برمتكم ، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء فجئت ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس ، حتى جئت امرأتي فقالت : بك وبك . قال : قد فعلت الذي قلت لي . فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها ، وبارك ثم قال : ادع لي خابزة فلتخبز معي ، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها . وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه ، وانحرفوا ، وإن برمتنا لتغط كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو جابرا . [ ص: 233 ] وفي رواية عن : إنا يوم جابر الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : هذه كدية عرضت . فقال : أنا نازل . فقام وبطنه معصوب بحجر ، ولبثنا ثلاثا لا نذوق ذواقا ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل ، فقلت : يا رسول الله ، ائذن لي إلى البيت ، فقلت لامرأتي : رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما في ذلك صبر ، قالت : عندي شعير ، وعناق ، فذبحت [ ص: 234 ] العناق ، وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعجين قد انكسر ، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج . فقلت : طعيم لي ، فقم أنت يا رسول الله ، ورجل أو رجلان . قال : كم هو ؟ فذكرت له ، قال : كثير طيب . قال : قل لها : لا تنزع البرمة ، ولا الخبز من التنور حتى آتي . قال : قوموا . فقام المهاجرون ، والأنصار . فلما دخل على امرأته قال : ويحك ، جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ، ومن معهم إلى أن قال : فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا ، وبقي بقية ، قال : كل هذا ، وأهد ، فإن الناس أصابتهم مجاعة . وفي الصحيحين ، قال قال : قال أنس بن مالك ، أبو طلحة لأم [ ص: 235 ] سليم : قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء ؟ فقالت : نعم ، فأخرجت أقراصا من شعير ، ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ، ثم دسته تحت ثوبي ، وردتني ببعضه ، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فذهبت به فوجدته جالسا في المسجد ومعه الناس ، فقمت عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلك أبو طلحة ؟ فقلت : نعم . فقال : بالطعام ؟ فقلت : نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه : قوموا . قال : فانطلق ، وانطلقت معهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وليس عندنا ما نطعمهم . فقالت : الله ورسوله أعلم . قال : فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلمي يا أم سليم ما عندك . فأتت بذلك الخبز ففت ، وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته ، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : ائذن لعشرة ، فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ثم قال : ائذن [ ص: 236 ] لعشرة . فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال : ائذن لعشرة . فأذن لهم حتى أكل القوم كلهم وشبعوا ، والقوم سبعون رجلا أو ثمانون . وفي طريق عن ثمانون ، وقال في رواية : ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم البخاري وأبو طلحة ، وأم سليم ، وفضل فضلة فأهديناها لجيراننا . وفي صحيح وأنس ، عن مسلم ، سلمة قال : خيبر فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا - يعني من التمر - فبسط نطعا فنثرنا عليه أزوادنا ، قال : فتمطيت ، وتطاولت فنظرت ، فحزرته كربضة شاة ، ونحن أربع عشرة مائة ، قال : فأكلنا ثم ، تطاولت فنظرته فحزرته كربضة الشاة . وفي الصحيحين عن كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أبي هريرة ، وأبي سعيد ، وسلمة بن الأكوع ، واللفظ عن لمسلم ، رضي الله عنه قال [ ص: 237 ] أبي هريرة : يا رسول الله ، لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها . قال : ففعل ، فجاء ذو البر ببره ، وذو التمر بتمره ، وذو النوى بنواه ، قيل : وما كانوا يصنعون بالنوى ؟ قال : يمصونه ، ويشربون عليه الماء . قال : فدعا عليها حتى ملأ القوم أزوادهم ، قال : فقال عند ذلك : أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيها إلا دخل الجنة عمر . وفي لفظ آخر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير قال : فنفدت أزواد القوم حتى هموا بنحر بعض حمائلهم ، قال : فقال تبوك أصاب الناس مجاعة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا ، فأكلنا ، وادهنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افعلوا . قال : فجاء فقال : يا رسول الله ، إن فعلت قل الظهر . وفي رواية : ما بقاؤهم [ ص: 238 ] بعد إبلهم ، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ، ثم ادع لهم بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . فدعا بنطع فبسطه ، ثم دعا بفضل أزوادهم . قال : فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ، وجعل الآخر يجيء بكف تمر ، وجعل يجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير . قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة ، ثم قال : خذوا في أوعيتكم . قال : فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه ، قال : فأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة عمر ، الحديث . وروى لما كان يوم غزوة من حديث البخاري قال : سلمة بن الأكوع . وفي صحيح خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ، فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا ، فأمرنا نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطعا ، فاجتمع زاد القوم على النطع ، قال : [ ص: 239 ] فتطاولت لأحزره كم هو ، فحزرته كربضة العنز ، ونحن أربع عشرة مائة ، قال : فأكلنا حتى شبعنا جميعا ، ثم حشونا جربنا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : هل من وضوء ؟ قال : فجاء رجل بإدواة فيها نطفة ، فأفرغها في قدح ، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة . ثم جاء بعد ذلك ثمانية ، فقالوا : هل من طهور ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرغ الوضوء عن مسلم ، جابر أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة لها سمنا ، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم ، وليس عندهم شيء فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي [ ص: 240 ] صلى الله عليه وسلم فتجد فيها سمنا ، قال : فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : عصرتيها ؟ فقالت : نعم . قال : لو تركتيها ما زال قائما . وروى أن في صحيحه عن مسلم أيضا قال : جابر . وفي الصحيحين عن جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه ، فأطعمه شطر وسق شعير ، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما ، حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو لم تكله لأكلتم منه ، ولقام لكم قال : أنس بن مالك زينب فدخل بأهله قال : فصنعت أمي حيسا ، فجعلته في تور من حجارة ، فقالت : يا أم سليم اذهب [ ص: 241 ] بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقل : بعثت بهذا أمي إليك وهي تقرئك السلام ، وتقول : إن هذا لك منا قليل يا رسول الله . قال : فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أمي تقرئك السلام وتقول : إن هذا لك منا قليل . فقال : ضعه ، ثم قال : اذهب فادع فلانا ، وفلانا ، وفلانا ، ومن لقيت . وسمى رجالا ، قال : فدعوت من سمى ، ومن لقيت ، قال أنس ، - وهو الراوي عن الجعد عدد كم كانوا ؟ قال : كانوا زهاء ثلاثمائة ، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنس - هات التور . قال : فدخلوا حتى امتلأت الصفة ، والحجرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليتحلق عشرة عشرة ، وليأكل كل إنسان مما يليه . قال : فأكلوا حتى شبعوا . قال : فخرجت طائفة ، ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم ، فقال : يا أنس ، ارفع ، فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت ، قال : وجلس طوائف منهم يتحدثون . وذكر نزول آية الحجاب أنس ، . [ ص: 242 ] وروى تزوج النبي صلى الله عليه وسلم البخاري ، أيضا : أن أنس عمدت إلى مد من شعير جشته ، وجعلت منه خطيفة ، وعصرت عكة عندها ، ثم بعثتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته وهو في أصحابه فدعوته ، قال : ومن معي ؟ فجئت ، فقلت : إنه يقول : ومن معي . فخرج إليه أم سليم فقال : يا رسول الله ، إنما هو شيء صنعته أبو طلحة فدخل فجيء به ، وقال : أدخل عشرة . حتى عد أربعين ، ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قام فجعلت أنظر هل نقص منها شيء ؟ أم سليم وعن عن قال : سمرة بن جندب . رواه كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نتداول قصعة من غدوة إلى الليل ، يقوم عشرة ويقعد عشرة ، فقلنا : ما كان يمد ؟ قال : فمن أي شيء تعجب ؟ ما كانت [ ص: 243 ] تمد إلا من ههنا ، وأشار بيده إلى السماء النسائي ، وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه والترمذي ، الدارمي ، في صحيحه . وفي والحاكم عن البخاري ، أنه كان يقول : أبي هريرة فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل ، ثم مر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فمر فلم يفعل ، ثم مر بي أبو القاسم [ ص: 244 ] صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني ، وعرف ما في وجهي وما في نفسي ، ثم قال : عمر قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : الحق ، ومضى فاتبعته ، فدخل فاستأذن ، فأذن لي ، فدخلت فوجد لبنا في قدح ، فقال : من أين هذا اللبن ؟ قالوا : هداه لك فلان ، أو فلانة . قال : أبا هر ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : الحق أبا هر . أهل الصفة فادعهم لي . قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا إلى مال ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ، ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم ، وأصاب منها ، وأشركهم فيها ، فساءني ذلك ، فقلت : وما هذا اللبن في أهل الصفة ؟ ! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم ، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد ، فأتيتهم فدعوتهم ، فأقبلوا ، فأذن لهم ، وأخذوا مجالسهم من البيت ، فقال : يا قلت : لبيك يا رسول الله . قال : خذ فأعطهم . فأخذت القدح ، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح فأعطيه الآخر فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي [ ص: 245 ] القدح فأعطيه الآخر فيشرب حتى يروى ، ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روي القوم كلهم ، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم ، فقال : أبا هر ، قلت : لبيك يا رسول الله . قال : بقيت أنا وأنت . قلت : صدقت يا رسول الله ، قال : اقعد ، فاشرب ، فقعدت ، فشربت ، فقال : اشرب . فشربت ، فما زال يقول : اشرب ، حتى قلت : لا ، والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا . قال : فأرني . فأعطيته القدح ، فحمد الله ، وسمى ، وشرب الفضلة أبا هر ، . وفي الصحيحين عن والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع ، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه ، فمر قال : عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أو كما قال . كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل مع أحد منكم طعام ؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه ، فعجن ، ثم جاء رجل مشعان طويل بغنم [ ص: 246 ] يسوقها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبيعا ؟ أم عطية ؟ أو قال : هبة ؟ قال : بل بيع ، فاشترى منه شاة فصنعت ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى ، وايم الله ما في الثلاثين ومائة إلا من قد حز له النبي صلى الله عليه وسلم حزة من سواد بطنها ، إن كان شاهدا أعطاه ، وإن كان غائبا خبأ له ، فجعل منها قصعة ، فأكلوا أجمعون ، وشبعنا ، ففضلت القصعتان فحملناها على البعير