الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 263 ] النوع السادس : من آياته صلى الله عليه وسلم تأييد الله له بملائكته قال الله تعالى : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين الآية . وقال تعالى : إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، وقال تعالى : في الخندق : [ ص: 264 ] إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا . وقال تعالى في حنين : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين . وقال تعالى في الهجرة : ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا . وقال تعالى في بدر : إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب . وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه [ ص: 265 ] وسلم إلى المشركين ، وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا ، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ، ثم مد يديه ، وجعل يهتف بربه : " اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى أسقط رداءه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه فقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله عز وجل :

إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين

فأمده الله بالملائكة .

قال أبو زميل : فحدثني ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة [ ص: 266 ] سوط فوقه ، وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم . فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا قد خطم أنفه ، وشق وجهه كضربة بالسوط فاخضر ذلك أجمع ، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " صدقت . ذلك من مدد السماء الثالثة " فقتلوا يومئذ سبعين ، وأسروا سبعين
، وذكر الحديث .

وذكر البخاري في هذا الحديث فخرج يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول

سيهزم الجمع ويولون الدبر


وقال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن [ ص: 267 ] بعض بني ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول : لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة ، لا أشك ولا أتمارى . فلما نزلت الملائكة ، ورآها إبليس ، وأوحى الله إليهم

أني معكم فثبتوا الذين آمنوا

وتثبيتهم أن الملائكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه وتقول له : أبشروا فإنهم ليسوا بشيء ، والله معكم ، كروا [ ص: 268 ] عليهم ، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه ، وقال :

إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون .

وهو في صورة سراقة ، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه على موعد من محمد وأصحابه . ثم قال : واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال فلا تقتلوهم ، وخذوهم أخذا
.

وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال : رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن يساره رجلين عليهم ثياب بيض يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد القتال ، ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ، ولا بعده ، ويعني جبرائيل وميكائيل عليهما السلام

وفي الصحيحين عن عائشة قالت : أصيب سعد يوم الخندق [ ص: 269 ] رماه رجل من قريش ( ابن العرقة ) رماه في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ، وضع السلاح فاغتسل فأتاه جبريل عليه السلام ، وهو ينفض عن رأسه الغبار فقال " وضعت السلاح ، والله ما وضعناه ، اخرج إليهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين ؟ فأشار إلى بني قريظة فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد ، قال : إني أحكم فيهم أن يقتل المقاتلة ، وأن تسبى الذرية ، والنساء ، وتقسم أموالهم ، وفي بعض طرق البخاري فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار

[ ص: 270 ] وروى البخاري عن أنس قال : كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل صلوات الله عليه حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة

وفي المغازي من غير طريق أن الصحابة رأوا جبريل في صورة دحية الكلبي ، وأنه معتم بعمامة أرخى طرفها بين كتفيه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثه الله إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ، ويلقي الرعب في قلوبهم

وروى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : " هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب "

وفي الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه [ ص: 271 ] وسلم : يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال : لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . قال : فناداني ملك الجبال ، وسلم علي ثم قال : يا محمد : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني إليك ربك لتأمرني بأمرك ما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل أرجو أن [ ص: 272 ] يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية