الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فإن قلتم : إنما جعلناه إلها من جهة قول أشعيا النبي : قل لصهيون يفرح ويتهلل فإن الله يأتي ويخلص الشعوب ، ويخلص من آمن به ، ويخلص مدينة بيت المقدس ، ويظهر الله ذراعه الطاهر فيها لجميع الأمم المتبددين ، ويجعلهم أمة واحدة ، ويبصر جميع أهل الأرض خلاص الله ، لأنه يمشي معهم وبين أيديهم ويجمعهم إله إسرائيل .

قيل لكم : هذا يحتاج أولا إلى أن يعلم أن ذلك في نبوة أشعيا بهذا اللفظ من غير تحريف للفظه ولا غلط في الترجمة ، وهذا غير معلوم .

وإن ثبت ذلك لم يكن فيه دليل على أنه إله تام ، وأنه غير مصنوع ولا مخلوق ، فإنه نظير ما في التوراة من قوله : جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران ، وليس في هذا ما يدل على أن موسى ومحمدا إلهين .

والمراد مجيء دينه وكتابه وشرعه وهداه ونوره .

وأما قوله : ويظهر الله ذراعه الطاهر لجميع الأمم المتبددين ، ففي التوراة مثل هذا وأبلغ منه في غير موضع .

وأما قوله : ويبصر جميع أهل الأرض خلاص الله لأنه يمشي معهم وبين يديهم ، فقد قال في التوراة في السفر الخامس لبني إسرائيل : لا تهابوهم ولا تخافوهم ، لأن الله ربكم السائر بين أيديكم وهو محارب عنكم .

وفي موضع آخر قال موسى : إن الشعب هو شعبك ، فقال أنا أمضي أمامك ، [ ص: 508 ] فقال : إن لم تمض أنت أمامنا ، وإلا فلا تصعدنا من ههنا ، وكيف أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت نعمة كذا إلا بسيرك معنا ؟ .

وفي السفر الرابع : إن أصعدت هؤلاء بقدرتك فيقولون لأهل الأرض الذين سمعوا منك : الله فيما بين هؤلاء القوم يرونه عينا بعين ، وغمامك يقيم عليهم ، ويعود غمام يسير بين أيديهم نهارا ويعود نارا ليلا .

وفي التوراة أيضا يقول الله لموسى : إني آت إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم مخاطبتي لك .

وفي الكتب الإلهية وكلام الأنبياء من هذا كثير ، وفيما حكى خاتم الأنبياء عن ربه تعالى أنه قال : ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، فبي يسمع ، وبي يبطش ، وبي يمشي .

التالي السابق


الخدمات العلمية