وإن : إن الله في الأرض يتزيا ويختلط مع الناس ويمشي معهم . أوجبتم له الإلهية بقول حبقوق فيما حكاه عنه
ويقول أرميا أيضا بعد هذا : الله يظهر في الأرض ويتقلب مع البشر ، قيل لكم : هذا بعد احتياجه إلى ثبوت هذين الشخصين أولا ، وإلى ثبوت هذا النقل عنهما ، وإلى مطابقة الترجمة من غير تحريف - وهذه ثلاث مقامات يعز عليكم إثباتها - لا تدل على أن المسيح هو خالق السماوات والأرض ، وأنه إله حق ليس بمخلوق ولا مصنوع ، ففي التوراة ما هو من هذا الجنس وأبلغ ولم يدل ذلك على أن موسى إله ، ولا أنه خارج عن جملة العبيد لله .
وقوله يتزيا مثل : تجلى الله وظهر واستعلن ونحو ذلك من ألفاظ التوراة وغيرها من الكتب الإلهية .
وقد ذكر في التوراة أن الله تعالى تجلى وتزيا لإبراهيم وغيره من الأنبياء ، ولم يدل ذلك على الإلهية لأحد منهم ، ولم يزل في عرف الناس ومخاطبتهم أن يقولوا : فلان معنا وهو بين أظهرنا ولم يمت ، إذا كان عمله وسنته وسيرته بينهم ووصاياه يعمل بها بينهم .
[ ص: 520 ] وكذلك يقول القائل لمن مات والده : ما مات من خلف مثلك ، وأنا والدك . وإذا رأوا تلميذ العالم يعلم علمه قالوا : هذا فلان باسم أستاذه ، كما كان يقال عن عكرمة : هذا ، وعن ابن عباس أبي حامد : هذا . الشافعي
وإذا بعث الملك نائبا يقوم مقامه في بلد يقول الناس : جاء الملك وحكم ورسم الملك .
وفي . وأبلغ من هذا قوله تعالى : الحديث الصحيح الإلهي : يقول الله عز وجل يوم القيامة : عبدي مرضت فلم تعدني ، فيقال : يا رب وكيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما لو عدته لوجدتني عنده ، عبدي جعت فلم تطعمني ، فيقول : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما إن عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه ، أما لو أطعمته لوجدت ذلك عندي . عبدي استسقيتك فلم تسقني ، فيقول : يا رب وكيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ فيقول : أما إن عبدي [ ص: 521 ] فلانا عطش فاستقاك فلم تسقه ، أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ، ومن هذا قوله تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله ، فلو استحل المسلمون ما استحللتم لكان استدلالهم بذلك على أن محمدا إله من جنس استدلالكم لا فرق بينهما ! .