الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
قال ابن إسحاق : ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران بالمدينة ، فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه مسجده بعد العصر ، فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده ، فأراد الناس منعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوهم ، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم ، وكانوا ستين راكبا ، منهم أربعة وعشرون رجلا من أشرافهم ، منهم ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم : العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم ، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره ، واسمه عبد المسيح ، والسيد ثمالهم ، وصاحب رحلهم ومجمعهم . وأبو حارثة بن علقمة ، أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم ، وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم ، وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له [ ص: 265 ] الكنائس وبسطوا عليه الكرامات ، لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم . فلما وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران ، جلس أبو حارثة على بغلة موجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى جنبه أخ يقال له : كرز بن علقمة يسايره إذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال له كرز : تعس الأبعد ، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو حارثة : بل أنت تعست . فقال : ولم يا أخي ؟ فقال : والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره ، فقال له كرز : فما يمنعك من اتباعه وأنت تعلم هذا ؟ فقال : ما صنع بنا هؤلاء القوم ، شرفونا ومولونا ، وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه ، ولو فعلت نزعوا منا ذلك ، فأصر عليه أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك .

فهذا وأمثاله من الذين منعتهم الرئاسة والمأكلة من اختيار الهدى وآثروا دين قومهم . وإذا كان هذا حال الرؤساء المتبوعين الذين هم علماؤهم وأحبارهم كان بقيتهم تبعا لهم .

وليس بمستنكر أن تمنع الرئاسة والمناصب والمأكل للرؤساء ، ويمنع الأتباع تقليدهم ، بل هذا هو الواقع ، والعقل لا يستشكله .

التالي السابق


الخدمات العلمية