ثم كان لهم واجتمع فريق المجمع السادس ، وزعموا أن اجتماعهم كان على الباطل ، فجمع الملك مائة وثلاثين أسقفا فثبتوا قول المجمع السادس ، ولعنوا من لعنهم وخالفهم ، وثبتوا قول المجامع الخمسة ، ولعنوا من لعنهم وانصرفوا ، فانقرضت هذه المجامع والحشود وهم علماء مجمع عاشر لما مات الملك وولي بعده ابنه النصارى وقدماؤهم ، وناقلوا الدين إلى المستأخرين ، وإليهم يستند من بعدهم .
وقد اشتملت هذه المجامع العشرة المشهورة على زهاء أربعة عشر ألفا من الأساقفة والبتاركة والرهبان ، كلهم يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا .
فدينهم إنما قام على اللعنة بشهادة بعضهم على بعض ، وكل منهم لاعن ملعون ، فإذا كانت هذه حالة المتقدمين مع قرب زمنهم من أيام المسيح وبقاء أحبارهم فيهم ، والدولة دولتهم ، والكلمة كلمتهم ، وعلماؤهم إذ ذاك أوفر ما كانوا ، واحتفالهم بأمر دينهم واهتمامهم به كما نرى ، ثم هم مع ذلك تائهون حائرون بين لاعن وملعون ، لا يثبت لهم قدم ، ولا يتحصل لهم قول في معرفة معبودهم ، بل كل منهم قد اتخذ إلهه هواه ، وباح باللعن والبراءة ممن اتبع سواه ، فما الظن بحالة الماضين ، ونفاية الغابرين وزبالة [ ص: 574 ] الحائرين وذرية الضالين ، وقد طال عليهم الأمد ، وبعد العهد ، وصار دينهم ما يبلغونه عن الرهبان ، قوم إذا كشفت عنهم وجدتهم أشبه شيء بالأنعام ، وإن كانوا في صور الأنام ، بل هم كما قال تعالى - ومن أصدق من الله قيلا - إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا .
وهؤلاء الذين عناهم الله بقوله : أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل قل يا .
ومن أمة الضلال بشهادة الله ورسوله عليهم ؟ وأمة اللعن بشهادتهم على نفوسهم يلعن بعضهم بعضا ، وقد لعنهم الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله في قوله صلى الله عليه وسلم : اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما فعلوه هذا والكتاب واحد ، والرب واحد ، والنبي واحد ، والدعوة واحدة ، كلهم يتمسك لعن الله بالمسيح وإنجيله وتلاميذه ، ثم يختلفون فيه هذا الاختلاف المتباين : فمنهم من يقول : إنه الله ، ومنهم من يقول : ابن الله ، ومنهم من يقول : ثالث ثلاثة ، ومنهم من يقول : إنه عبد ، ومنهم من يقول : إنه أقنوم وطبيعة ، ومنهم من يقول : أقنومان وطبيعتان إلى غير ذلك من المقالات التي حكوها عن أسلافهم ، وكل منهم يكفر صاحبه .
[ ص: 575 ] فلو أن قوما لم يعرفوا لهم إلها ، ثم عرض عليهم دين النصرانية هكذا ، لتوقفوا عنه وامتنعوا من قبوله .
فوازن بين هذا وبين ما جاء به خاتم الرسل والأنبياء تعلم علما يضارع المحسوسات أو يزيد عليها : أن الدين عند الله الإسلام .