قوله في نبوة أرميا : قبل أن أخلقك قد عظمتك من قبل أن أصورك في البطن ، وأرسلتك وجعلتك نبيا للأجناس كلهم . فهذه أرميا لمن بعده ، وهو إما بشارة على لسان المسيح وإما محمد صلوات الله وسلامه عليهما ، لا تعدوهما إلى غيرهما ، ومحمد أولى بها لأن المسيح إنما كان نبيا لبني إسرائيل ، كما قال الله تعالى : ورسولا إلى بني إسرائيل .
والنصارى تقر بذلك ، ولم يدع المسيح أنه رسول إلى سائر الأجناس من أهل الأرض ، فإن الأنبياء من عهد موسى إلى المسيح إنما كانوا يبعثون إلى قومهم ، بل عندهم في الإنجيل أن المسيح قال للحواريين : لا تسلكوا إلى سبيل الأجناس ، ولكن اختصروا على الغنم الرابضة من نسل إسرائيل .
وأما محمد بن عبد الله فهو الذي بعثه الله إلى سائر أجناس الأرض وطوائف بني آدم .
وهذه البشارة مطابقة لقوله تعالى : ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : بعثت إلى الأسود والأحمر .
[ ص: 382 ] وقوله : . وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة
وقد اعترفت النصارى بهذه البشارة ولم ينكروها ، لكن قال بعض زعمائهم إنها بشارة موسى بن عمران ، وإلياس ، واليسع ، وأنهم سيأتون في آخر الزمان ، وهذا من أعظم البهت والجرأة على الله تعالى والافتراء عليه : فإنه لا يأتي من قد مات إلى يوم الميقات المعلوم .