فصل  
فإذا وضع قدمه في هذه الدرجة . انتقل منها إلى درجة الرضا .  
وهي  ثمرة التوكل      . ومن فسر التوكل بها فإنما فسره بأجل ثمراته ، وأعظم فوائده ، فإنه إذا توكل حق التوكل رضي بما يفعله وكيله .  
وكان شيخنا - رضي الله عنه - يقول : المقدور يكتنفه أمران : التوكل قبله ، والرضا بعده ، فمن توكل على الله قبل الفعل . ورضي بالمقضي له بعد الفعل فقد قام بالعبودية . أو معنى هذا .  
قلت : وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستخارة :  اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم     . فهذا توكل وتفويض . ثم قال :  فإنك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علام الغيوب     . فهذا تبرؤ إلى الله من      [ ص: 123 ] العلم والحول والقوة ، وتوسل إليه سبحانه بصفاته التي هي أحب ما توسل إليه بها المتوسلون . ثم سأل ربه أن يقضي له ذلك الأمر إن كان فيه مصلحته ، عاجلا أو آجلا ، وأن يصرفه عنه إن كان فيه مضرته ، عاجلا أو آجلا . فهذا هو حاجته التي سألها . فلم يبق عليه إلا الرضا بما يقضيه له . فقال :  واقدر لي الخير حيث كان ، ثم رضني به     .  
فقد اشتمل هذا الدعاء على هذه المعارف الإلهية ، والحقائق الإيمانية ، التي من جملتها التوكل والتفويض ، قبل وقوع المقدور ، والرضا بعده . وهو ثمرة التوكل . والتفويض علامة صحته ، فإن لم يرض بما قضي له ، فتفويضه معلول فاسد .  
فباستكمال هذه الدرجات الثماني يستكمل العبد مقام التوكل ، وتثبت قدمه فيه . وهذا معنى  قول   بشر الحافي     : يقول أحدهم : توكلت على الله . يكذب على الله . لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به     .  
وقول   يحيى بن معاذ  وقد سئل : متى يكون الرجل متوكلا ؟ فقال : إذا رضي بالله وكيلا     .  
				
						
						
