وقد قسم  الحياء على عشرة أوجه      : حياء جناية . وحياء تقصير . وحياء إجلال . وحياء كرم . وحياء حشمة . وحياء استصغار للنفس واحتقار لها . وحياء محبة . وحياء عبودية . وحياء شرف وعزة . وحياء المستحيي من نفسه .  
 [ ص: 251 ] فأما حياء الجناية : فمنه حياء  آدم   عليه السلام لما فر هاربا في الجنة . قال الله تعالى :  أفرارا مني يا  آدم   ؟ قال : لا يا رب . بل حياء منك     .  
وحياء التقصير : كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، فإذا كان يوم القيامة قالوا : سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك .  
وحياء الإجلال : هو حياء المعرفة . وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه .  
وحياء الكرم : كحياء النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين دعاهم إلى وليمة  زينب  ، وطولوا الجلوس عنده . فقام واستحيا أن يقول لهم : انصرفوا .  
وحياء الحشمة : كحياء   علي بن أبي طالب  رضي الله عنه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي لمكان ابنته منه .  
وحياء الاستحقار واستصغار النفس : كحياء العبد من ربه عز وجل حين يسأله حوائجه ، احتقارا لشأن نفسه ، واستصغارا لها . وفي أثر إسرائيلي :  إن  موسى   عليه السلام قال : يا رب ، إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا . فأستحيي أن أسألك هي يا رب . فقال الله تعالى : سلني حتى ملح عجينتك . وعلف شاتك     .  
وقد يكون لهذا النوع سببان .  
أحدهما : استحقار السائل نفسه . واستعظام ذنوبه وخطاياه .  
الثاني : استعظام مسئوله .  
 [ ص: 252 ] وأما حياء المحبة : فهو حياء المحب من محبوبه ، حتى إنه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه ، وأحس به في وجهه . ولا يدري ما سببه . وكذلك يعرض للمحب عند ملاقاته محبوبه ومفاجأته له روعة شديدة . ومنه قولهم : جمال رائع . وسبب هذا الحياء والروعة مما لا يعرفه أكثر الناس . ولا ريب أن للمحبة سلطانا قاهرا للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن . فأين من يقهر قلبك وروحك إلى من يقهر بدنك ؟ ولذلك تعجبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق وقهر المحبوب لهم ، وذلهم له . فإذا فاجأ المحبوب محبه . ورآه بغتة : أحس القلب بهجوم سلطانه عليه . فاعتراه روعة وخوف .  
وسألنا يوما شيخ الإسلام  ابن تيمية     - قدس الله روحه - عن هذه المسألة ؟ فذكرت أنا هذا الجواب . فتبسم ولم يقل شيئا .  
وأما الحياء الذي يعتريه منه ، وإن كان قادرا عليه - كأمته وزوجته - فسببه - والله أعلم - أن هذا السلطان لما زال خوفه عن القلب بقيت هيبته واحتشامه . فتولد منها الحياء . وأما حصول ذلك له في غيبة المحبوب : فظاهر . لاستيلائه على قلبه . فوهمه يغالطه عليه ويكابره ، حتى كأنه معه .  
وأما حياء العبودية : فهو حياء ممتزج من محبة وخوف ، ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده ، وأن قدره أعلى وأجل منها . فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة .  
وأما حياء الشرف والعزة : فحياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء وإحسان . فإنه يستحيي مع بذله حياء شرف نفس وعزة . وهذا له سببان .  
أحدهما هذا . والثاني : استحياؤه من الآخذ ، حتى كأنه هو الآخذ السائل . حتى إن بعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياء منه . وهذا يدخل في حياء التلوم . لأنه يستحيي من خجلة الآخذ .  
وأما حياء المرء من نفسه : فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص ، وقناعتها بالدون . فيجد نفسه مستحيا من نفسه ، حتى كأن له نفسين ، يستحيي بإحداهما من الأخرى . وهذا أكمل ما يكون من الحياء فإن العبد إذا استحيى من نفسه . فهو بأن يستحيي من غيره أجدر .  
 [ ص: 253 ] 
 
				
 
						 
						

 
					 
					