هذه الدرجة من باب الترك والتخلي . وهي أن لا يخاصم أحدا . فلا ينصب نفسه خصما لأحد غيرها . فهي خصمه .
وهذه المنزلة أيضا ثلاث درجات . لا يخاصم بلسانه . ولا ينوي الخصومة بقلبه . ولا يخطرها على باله . هذا في حق نفسه .
وأما في حق ربه : فالفتوة أن يخاصم بالله وفي الله . ويحاكم إلى الله ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح : وهذه درجة فتوة العلماء الدعاة إلى الله تعالى . وبك خاصمت . وإليك حاكمت
وأما التغافل عن الزلة فهو أنه إذا رأى من أحد زلة يوجب عليه الشرع أخذه بها : [ ص: 328 ] أظهر أنه لم يرها ، لئلا يعرض صاحبها للوحشة . ويريحه من تحمل العذر .
وفتوة التغافل : أرفع من فتوة الكتمان مع الرؤية .
قال أبو علي الدقاق : جاءت امرأة فسألت حاتما عن مسألة ؟ فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة . فخجلت . فقال حاتم : ارفعي صوتك . فأوهمها أنه أصم . فسرت المرأة بذلك . وقالت : إنه لم يسمع الصوت . فلقب وهذا التغافل هو نصف الفتوة . بحاتم الأصم
وأما نسيان الأذية فهو بأن تنسى أذية من نالك بأذى ، ليصفو قلبك له . ولا تستوحش منه .
قلت : وهنا نسيان آخر أيضا . وهو من الفتوة . وهو نسيان إحسانك إلى من أحسنت إليه ، حتى كأنه لم يصدر منك . وهذا النسيان أكمل من الأول . وفيه قيل :
ينسى صنائعه والله يظهرها إن الجميل إذا أخفيته ظهرا