ومنها إلا بإذن سيده ، والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم { : أن يكون حرا فلا يجوز نكاح مملوك بالغ عاقل } . أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر
والكلام في هذا الشرط يقع في مواضع في بيان أن إذن المولى شرط جواز نكاح المملوك ، لا يجوز من غير إذنه ، أو إجازته ، وفي بيان ما يكون إجازة له ، وفي بيان ما يملكه من النكاح بعد الإذن ، وفي بيان حكم المهر في نكاح المملوك .
[ ص: 234 ] أما الأول : فلا يجوز وإن كان عاقلا ، بالغا ، سواء كان قنا أو مدبرا ، أو مدبرة أو أم ولد ، أو مكاتبة ، أو مكاتبا أما القن ، فإن نكاح مملوك بغير إذن مولاه بلا خلاف ; لأن منافع البضع مملوكة لسيدها ، ولا يجوز التصرف في ملك الغير بغير إذنه ، وكذلك كان أمة فلا يجوز نكاحها بغير إذن سيدها لما قلنا . المدبرة وأم الولد
وكذا لأنها ملك المولى رقبة ، وملك المتعة يتبع ملك الرقبة ، إلا أنه منع من الاستمتاع بها لزوال ملك اليد ، وفي الاستمتاع إثبات ملك اليد ، ولأن من الجائز أنها تعجز فترد إلى الرق فتعود قنة كما كانت فتبين أن نكاحها صادف المولى فلا يصح ، وإن كان عبدا فلا يجوز نكاحه أيضا عند عامة العلماء . المكاتبة
وقال : يجوز . مالك
( وجه ) قوله أن منافع بضع العبد لا تدخل تحت ملك المولى فكان المولى فيها على أصل الحرية ، والمولى أجنبي عنها ، فيملك النكاح كالحر بخلاف الأمة ; لأن منافع بضعها ملك المولى فمنعت من التصرف بغير إذنه ، ولنا أن العبد بجميع أجزائه ملك المولى لقوله تعالى { ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء } أخبر سبحانه وتعالى أن العبيد ليسوا شركاء فيما رزق السادات ، ولا هم بسواء في ذلك ، ومعلوم أنه ما أراد به نفي الشركة في المنافع ; لاشتراكهم فيها دل أنه أراد به حقيقة الملك ، ولقوله تعالى { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } والعبد اسم لجميع أجزائه ، ولأن سبب الملك أضيف إلى كله فيثبت الملك في كله إلا أنه منع من الانتفاع ببعض أجزائه بنفسه ، وهذا لا يمنع ثبوت الملك له كالأمة المجوسية وغير ذلك ، وكذلك المأذون في التجارة ; لأنه عبد مملوك ، ولأنه كان محجورا قبل الإذن بالتجارة والنكاح ليس من التجارة لأن التجارة معاوضة المال بالمال ، والنكاح معاوضة البضع بالمال ، والدليل عليه أن المرأة إذا زوجت نفسها على عبد تنوي أن يكون العبد للتجارة لم يكن للتجارة .
ولو كان النكاح من التجارة لكان بدل البضع للتجارة كالبيع ، فكان هو بالنكاح متصرفا في ملك مولاه ، فلا يجوز كما لا يجوز نكاح الأمة ، والدليل عليه قوله تعالى : { لا يقدر على شيء } وصف العبد المملوك بأنه لا يقدر على شيء ، ومعلوم أنه إنما أراد به القدرة الحقيقية ; لأنها ثابتة له فتعين القدرة الشرعية وهي إذن الشرع وإطلاقه ، فكان نفي القدرة الشرعية نفيا للإذن والإطلاق ، ولا يجوز إثبات التصرف الشرعي بغير إذن الشرع ، وكذلك المدبر ; لأنه عبد مملوك ، وكذلك المكاتب ; لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه كان محجورا عن التزوج قبل الكتابة .
وعند الكتابة ما أفاد له إلا الإذن بالتجارة ، والنكاح ليس من التجارة ; لأن التجارة معاوضة المال بالمال والنكاح معاوضة البضع بالمال والدليل عليه أن لم يكن للتجارة . المرأة إذا زوجت نفسها على عبد تنوي أن العبد يكون للتجارة
ولو كان النكاح من التجارة لكان بدل البضع للتجارة كالبيع .
وأما معتق البعض فلا يجوز نكاحه عند ; لأنه بمنزلة المكاتب عنده . أبي حنيفة
وعند أبي يوسف يجوز لأنه بمنزلة حر عليه دين عندهما . ومحمد
ولو تزوج بغير إذن المولى واحد ممن ذكرنا أنه لا يجوز تزويجه إلا بإذن المولى ثم إن أجاز المولى النكاح جاز ; لأن العقد صدر من الأهل في المحل ، إلا أنه امتنع النفاذ لحق المولى فإذا أجاز فقد زال المانع ، ولا يجوز للعبد أن يتسرى وإن أذن له مولاه ; لأن حل الوطء لا يثبت إلا بأحد الملكين قال الله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ولم يوجد أحدهما .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يتسرى العبد ولا يسريه مولاه ولا يملك العبد ولا المكاتب شيئا إلا الطلاق } وهذا نص .
وأما بيان ما يكون إجازة : فالإجازة قد ثبتت بالنص وقد ثبتت بالدلالة وقد ثبتت بالضرورة ، أما النص : فهو الصريح بالإجازة وما يجري مجراها نحو أن يقول : أجزت ، أو رضيت ، أو أذنت ، ونحو ذلك .
وأما الدلالة : فهي قول أو فعل يدل على الإجازة مثل أن يقول المولى إذا أخبر بالنكاح : حسن ، أو صواب ، أو لا بأس به ، ونحو ذلك ، أو يسوق إلى المرأة المهر أو شيئا منه في نكاح العبد ، ونحو ذلك مما يدل على الرضا .
ولو قال له المولى : طلقها أو فارقها لم يكن إجازة ; لأن قوله طلقها أو فارقها يحتمل حقيقة الطلاق والمفارقة ويحتمل المتاركة ; لأن النكاح الفاسد والنكاح الموقوف يسمى طلاقا ومفارقة [ ص: 235 ] فوقع الشك والاحتمال في ثبوت الإجازة ، فلا يثبت بالشك والاحتمال .
ولو قال له : طلقها تطليقة تملك الرجعة ; فهو إجازة لارتفاع الترداد إذ لا رجعة في المتاركة للنكاح الموقوف وفسخه وأما الضرورة فنحو : أن يعتق المولى العبد أو الأمة فيكون الإعتاق إجازة .
ولو أذن بالنكاح لم يكن الإذن بالنكاح إجازة .
ووجه الفرق بينهما من وجهين أحدهما : أنه لو لم يجعل الإعتاق إجازة لكان لا يخلو إما أن يبطل بالنكاح الموقوف وإما أن يبقى موقوفا على الإجازة ، ولا سبيل إلى الأول ; لأن النكاح صدر من الأهل في المحل فلا يبطل إلا بإبطال من له ولاية الإبطال ; ولا سبيل إلى الثاني ; لأنه لو بقي موقوفا على الإجازة .
فأما إن أو على إجازة العبد لا وجه للأول ; لأن ولاية الإجازة لا تثبت إلا بالملك وقد زال بالإعتاق ، ولا وجه للثاني لأن العقد وجد من العبد فكيف يقف عقد الإنسان على إجازته . بقي موقوفا على إجازة المولى
وإذا بطلت هذه الأقسام وليس ههنا قسم آخر لزم أن يجعل الإعتاق إجازة ضرورة وهذه الضرورة لم توجد في الإذن بالنكاح ، وللثاني أن امتناع النفاذ مع صدور التصرف من الأهل في المحل لقيام حق المولى - وهو الملك - نظرا له ، دفعا للضرر عنه ، وقد زال ملكه بالإعتاق فزال المانع من النفوذ ، والإذن بالتزوج لا يوجب زوال المانع - وهو الملك - لكنه بالإذن أقامه مقام نفسه في النكاح كأنه هو ، ثم ثبوت ولاية الإجازة له لم تكن إجازة ما لم يجز ، فكذا العبد ، ثم إذا لم يكن نفس الإذن من المولى بالنكاح إجازة لذلك العقد ; فإن أجازه العبد جاز استحسانا ، والقياس أن لا يجوز .
وإن أجازه وجه القياس أنه مأذون بالعقد ، والإجازة مع العقد متغايران اسما وصورة وشرطا أما الاسم والصورة : فلا شك في تغايرهما .
وأما الشرط فإن محل العقد عليه ، ومحل الإجازة نفس العقد .
وكذا الشهادة شرط العقد لا شرط الإجازة ، والإذن بأحد المتغايرين لا يكون إذنا بالآخر .
وجه الاستحسان أن العبد أتى ببعض ما هو مأذون فيه ، فكان متصرفا عن إذن ، فيجوز تصرفه ، ودلالة ذلك أن المولى أذن له بعقد نافذ فكان مأذونا بتحصيل أصل العقد ووصفه - وهو النفاذ - وقد حصل النفاذ فيحصل ، ولهذا نفذ العقد دل أن تنفيذ العقد بالإجازة مأذون فيه من قبل المولى فينفذ بإجازته ، ثم إذا نفذ النكاح بالإعتاق وهي أمة فلا خيار لها ; لأن النكاح نفذ بعد العتق فالإعتاق لم يصادفها وهي منكوحة ، والمهر لها إن لم يكن الزوج دخل بها قبل الإعتاق ، وإن كان قد دخل بها قبل الإعتاق فالمهر للمولى ، هذا إذا أعتقها وهي كبيرة فأما إذا كانت صغيرة فأعتقها فإن الإعتاق لا يكون إجازة . لو زوج فضولي هذا العبد امرأة بغير إذن المولى فأجاز العبد
ويبطل العقد عند . زفر
وعندنا يبقى موقوفا على إجازة المولى إذا لم يكن لها عصبة ، فإن كان لها عصبة يتوقف على إجازة العصبة ، ويجوز بإجازة العصبة ثم إن كان المجيز غير الأب أو الجد فلها خيار الإدراك ; لأن العقد نفذ عليها في حالة الصغر ، وهي حرة ، وإن كان المجيز أبوها أو جدها فلا خيار لها .
ولو مات المولى قبل الإجازة فإن ورثها من يحل له وطؤها بطل النكاح الموقوف ; لأن الحل النافذ قد طرأ على الموقوف لوجود سبب الحل - وهو الملك - قال الله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ومن ضرورة ثبوت الحل له ارتفاع الموقوف ، وإن ورثها من لا يحل له وطؤها بأن كان الوارث ابن الميت وقد وطئها أبوه ، أو كانت الأمة أخته من الرضاع ، أو ورثها جماعة ، فللوارث الإجازة لأنه لم يوجد طريان الحل فبقي الموقوف على حاله ، وكذلك إذا باعها المولى قبل الإجازة فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الوارث وعلى هذا قالوا فيمن أن للمشتري الإجازة ; لأن وطء الزوج يمنع حل الوطء للمشتري . تزوج جارية غيره بغير إذنه ووطئها ثم باعها المولى من رجل
وأما فللوارث والمشتري الإجازة ; لأنه لا يتصور حل الوطء ههنا فلم يوجد طريان حل الوطء ، فبقي الموقوف بحاله . العبد إذا تزوج بغير إذن المولى فمات الولي أو باعه قبل الإجازة
وهذا الذي ذكرنا قول أصحابنا الثلاثة .
وقال : لا يجوز بإجازة الوارث والمشتري بل يبطل . زفر
والأصل فيه أن العقد الموقوف على إجازة إنسان يحتمل الإجازة من قبل غيره عندنا وعنده لا يحتمل .
وجه قوله أن الإجازة إنما تلحق الموقوف ; لأنها تنفيذ الموقوف فإنما تلحقه على الوجه الذي وقف وإنما وقف على الأول لا على الثاني ، فلا يملك الثاني تنفيذه [ ص: 236 ]
( ولنا ) أنه إنما وقف على إجازة الأول ; لأن الملك له وقد صار الملك للثاني فتنتقل الإجازة إلى الثاني ; وهذا لأن المالك يملك إنشاء النكاح بأصله ووصفه - وهو النفاذ - فلأن يملك تنفيذ النكاح الموقوف - وأنه إثبات الوصف دون الأصل - أولى نفذ العقد . ولو زوجت المكاتبة نفسها بغير إذن المولى حتى وقف على إجازته فأعتقها
والأخبار فيه كما ذكرنا في الأمة القنة .
وكذلك إذا أدت فعتقت ، وإن عجزت فإن كان بضعها يحل للمولى يبطل العقد ، وإن كان لا يحل بأن كانت أخته من الرضاع أو كانت مجوسية توقف على إجازته .
ولو كان المولى هو الذي عقد عليها بغير رضاها حتى وقف على إجازتها فأجازت جاز العقد ، وإن أدت فعتقت أو أعتقها المولى توقف العقد على إجازتها إن كانت كبيرة ، وإن كانت صغيرة فهو على ما ذكرنا من الاختلاف في الأمة ، وتتوقف على إجازة المولى عندنا إذا لم يكن لها عصبة غير المولى ، فإن كان فأجازوا جاز وإذا أدركت فلها خيار الإدراك إذا كان المجبر غير الأب والجد على ما ذكرنا .
وإن لم يعتقها حتى عجزت بطل العقد .
وإن كان بضعها يحل للمولى وإن كان لا يحل له فلا يجوز إلا بإجازته .