( فصل ) :
وأما فالمسقط لها بعد الوجوب قيل صيرورتها دينا في الذمة واحد وهو مضي الزمان من غير فرض القاضي والتراضي . بيان ما يسقطها بعد وجوبها وصيرورتها دينا في ذمة الزوج
وأما فأمور : منها الإبراء عن النفقة الماضية ; لأنها لما صارت دينا في ذمته كان الإبراء إسقاطا لدين واجب فيصح كما في سائر الديون ، ولو المسقط لها بعد صيرورتها دينا في الذمة ; لم يصح الإبراء ; لأنها تجب شيئا فشيئا على حسب حدوث الزمان فكان الإبراء منها إسقاط الواجب قبل الوجوب وقبل وجود سبب الوجوب أيضا وهو حق الحبس ; لأنه لا يتجدد بتجدد الزمان ; فلم يصح وكذا يصح هبة النفقة الماضية ; لأن هبة الدين يكون إبراء عنه فيكون إسقاط دين واجب فيصح ولا تصح هبة ما يستقبل لما قلنا . أبرأته عما يستقبل من النفقة المفروضة
ومنها : موت أحد الزوجين حتى لو مات الرجل قبل إعطاء النفقة لم يكن للمرأة أن تأخذها من ماله ، ولو ماتت المرأة لم يكن لورثتها أن يأخذوا لما ذكرنا أنها تجري مجرى الصلة والصلة تبطل بالموت قبل القبض كالهبة فإن كان الزوج أسلفها نفقتها وكسوتها ثم مات قبل مضي ذلك الوقت لم ترجع ورثته عليها بشيء في قول أبي حنيفة سواء كان قائما أو مستهلكا ، وكذلك لو ماتت هي لم يرجع الزوج في تركتها عندهما وقال وأبي يوسف : لها حصة ما مضى من النفقة والكسوة ويجب رد الباقي إن كان قائما وإن كان هالكا فلا شيء بالإجماع ، وروى محمد ابن رستم عن أنها إن كانت قبضت نفقة شهر فما دونه ; لم يرجع عليها بشيء وإن كان المفروض أكثر من ذلك يرفع عنها نفقة شهر وردت ما بقي ، وجه هذه الرواية أن الشهر فما دونه في حكم القليل فصار كنفقة الحال ، وما زاد عليه في حكم الكثير فيثبت به الرجوع كالدين ، وجه ظاهر قول محمد أن هذه النفقة تشبه الأعواض فتسلم لها بقدر ما سلم للزوج من المعوض كالإجارة إذا عجل المستأجر الأجرة ثم مات أحدهما [ ص: 30 ] قبل تمام المدة وجه قوله أن هذه صلة اتصل بها القبض فلا يثبت فيها الرجوع بعد الموت كسائر الصلات المقبوضة . محمد
وأما قوله : إنها تشبه الأعواض فنعم لكن بوصفها لا بأصلها بل هي صلة بأصلها ألا ترى أنها تسقط بالموت قبل القبض بلا خلاف بين أصحابنا لاعتبار معنى الصلة فيراعي فيها المعنيان جميعا فراعينا معنى الأصل بعد القبض فقلنا : إنها لا تبطل بالموت بعد القبض فلا يثبت فيها الرجوع اعتبارا للأصل وراعينا معنى الوصف قبل القبض فقلنا : إنها تبطل بالموت قبل القبض كالصلات وراعينا معنى الوصف بعد القبض فقلنا : لا يثبت فيها الرجوع كالأعواض اعتبارا للأصل والوصف جميعا على ما هو الأصل في العمل بالشبهين عند الإمكان والله الموفق .