وأما شرائط وجوب هذه النفقة فأنواع : بعضها يرجع إلى المنفق عليه خاصة ، وبعضها يرجع إلى المنفق خاصة ، وبعضها يرجع إليهم ، وبعضها يرجع إلى غيرهما أما الذي يرجع إلى المنفق عليه خاصة فأنواع ثلاثة : أحدها إعساره وغيرها من الرحم المحرم ; لأن وجوبها معلول بحاجة المنفق عليه فلا تجب لغير المحتاج ولأنه إذا كان غنيا لا يكون هو بإيجاب النفقة له على غيره أولى من الإيجاب لغيره عليه فيقع التعارض فيمتنع الوجوب بل إذا كان مستغنى بماله كان إيجاب النفقة في ماله أولى من إيجابها في مال غيره بخلاف نفقة الزوجات أنها تجب للزوجة الموسرة ; لأن وجوب تلك النفقة لا يتبع الحاجة بل لها شبه بالأعواض فيستوي فيها المعسرة والموسرة كثمن البيع والمهر واختلف في فلا تجب لموسر على غيره نفقة في قرابة الولاد قيل : هو الذي يحل له أخذ الصدقة ولا تجب عليه الزكاة وقيل : هو المحتاج . حد المعسر الذي يستحق النفقة
ولو كان له منزل وخادم هل يستحق النفقة على قريبه الموسر ؟ فيه اختلاف الرواية .
في رواية لا يستحق حتى لو كان أختا لا يؤمر الأخ بالإنفاق عليها وكذلك إذا كانت بنتا له أو أما وفي رواية يستحق وجه الرواية الأولى أن النفقة لا تجب لغير المحتاج وهؤلاء غير محتاجين ; لأنه يمكن الاكتفاء بالأدنى بأن يبيع بعض المنزل أو كله ويكتري منزلا فيسكن بالكراء أو يبيع الخادم ، وجه الرواية الأخرى أن بيع المنزل لا يقع إلا نادرا وكذا لا يمكن لكل أحد السكنى بالكراء أو بالمنزل المشترك وهذا هو الصواب أن لا يؤمر أحد ببيع الدار بل يؤمر القريب بالإنفاق عليه .
ألا ترى أنه تحل الصدقة لهؤلاء ولا يؤمرون ببيع المنزل ثم الولد الصغير إذا كان له مال حتى كانت نفقته في ماله لا على الأب وإن كان الأب موسرا فإن كان المال حاضرا في يد الأب أنفق منه عليه وينبغي أن يشهد على ذلك ; إذ لو لم يشهد فمن الجائز أن ينكر الصبي إذا بلغ فيقول للأب إنك أنفقت من مال نفسك لا من مالي فيصدقه القاضي ; لأن الظاهر أن الرجل الموسر ينفق على ولده من مال نفسه وإن كان لولده مال فكان الظاهر شاهدا للولد فيبطل حق الأب ، وإن كان المال غائبا ينفق من مال نفسه بأمر القاضي إياه بالإنفاق ليرجع أو يشهد على أنه ينفق من مال نفسه ليرجع به في مال ولده ليمكنه الرجوع لما ذكرنا أن الظاهر أن الإنسان يتبرع بالإنفاق من مال نفسه على ولده فإذا أمره القاضي بالإنفاق من ماله ليرجع أو أشهد [ ص: 35 ] على أنه ينفق ليرجع فقد بطل الظاهر وتبين أنه إنما أنفق من ماله على طريق القرض وهو يملك إقراض ماله من الصبي فيمكنه الرجوع وهذا في القضاء فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيسعه أن يرجع من غير أمر القاضي والإشهاد بعد أن نوى بقلبه أنه ينفق ليرجع ; لأنه إذا نوى صار ذلك دينا على الصغير وهو يملك إثبات الدين عليه ; لأنه يملك إقراض ماله منه والله عز وجل عالم بنيته فجاز له الرجوع فيما بينه وبين الله تعالى ، والله أعلم والثاني بأن كان به زمانة أو قعد أو فلج أو عمى أو جنون أو كان مقطوع اليدين أو أشلهما أو مقطوع الرجلين أو مفقوء العينين أو غير ذلك من العوارض التي تمنع الإنسان من الاكتساب حتى لو كان صحيحا مكتسبا لا يقضى له بالنفقة على غيره وإن كان معسرا إلا للأب خاصة والجد عند عدمه فإنه يقضى بنفقة الأب وإن كان قادرا على الكسب بعد أن كان معسرا على ولده الموسر وكذا نفقة الجد على ولد ولده إذا كان موسرا ، وإنما كان كذلك ; لأن المنفق عليه إذا كان قادرا على الكسب كان مستغنى بكسبه فكان غناه بكسبه كغناه بماله فلا تجب نفقته على غيره إلا الولد ; لأن الشرع نهى الولد عن إلحاق أدنى الأذى بالوالدين وهو التأفيف بقوله عز وجل { عجزه عن الكسب فلا تقل لهما أف } ومعنى الأذى في إلزام الأب الكسب مع غنى الولد أكثر فكان أولى بالنهي ولم يوجد ذلك في الابن ولهذا لا يحبس الرجل بدين ابنه ويحبس بدين أبيه ولأن الشرع أضاف مال الابن إلى الأب فاللام الملك فكان ماله كماله وكذا هو كسب كسبه ; فكان ككسبه فكانت نفقته فيه والثالث : أن وهي نفقة غير الولاد فلا تجب بدونه ; لأنها لا تجب بدون قضاء القاضي والقضاء لا بد له من الطلب والخصومة . الطلب والخصومة بين يدي القاضي في أحد نوعي النفقة